فهد عبدالله

هشاشة القرارات

السبت - 16 ديسمبر 2023

Sat - 16 Dec 2023


كثيرا ما ينمي روح التعلم والممارسات الصحيحة هي تلك الحوارات التي تستمد قوتها من خلال الدوران حول المنطق وطبيعة الأمور ومآلاتها القريبة والبعيدة المدى، وهذه الممارسة في تبادل المعرفة وكيفية سريان الأعمال حقيقة أجدها بعد توفيق الله ضامنا حقيقيا للتوجهات الصائبة وحتى وإن ظهر في بعض مخرجاتها شيء من الخطأ، فذلك الخطأ مغفور ومندوب؛ لأنها تسور بسياج الإنصاف ورغبة جميع الأطراف التي تسلحت بالمنطق في التوجه لما هو صائب بغض النظر عن الدوافع الأخرى التي تتمحور حول التوجهات والمصالح الشخصية البحتة، في عالم الحوار وتبادل المعرفة والأعمال خطأ يأتي بعد منطق وتجرد من الهوى خير من صح يأتي من دوافع فردية بعيدة عن تداولات المنطق من جميع الأطراف.

الخطأ عندما يخرج كنتاج من منهجية صحيحة سيكون خطأ بجانبه عشرات المخرجات من الأمور الصحيحة، والصح عندما يخرج كنتاج من منهجية خاطئة سيكون صحا بجانبه عشرات المخرجات من الأمور الخاطئة؛ لذلك أجد منهجية المنطق والتجرد من الهوى وغيرها من المنهجيات الصحيحة بشكل عام هي بمثابة الحوكمة لكيفية الوصول لنتائج صحيحة بينما الوصول لنتيجة صحيحة بدون منهجية محددة ستغرق صاحبها في العشوائية التي تهدي إلى كثير من الأخطاء.

لذلك في عالم القرارات الصائبة والحوارات البناءة والمفاوضات الناجحة في الأمور المتعلقة بالمصالح الجمعية لابد من تواجد شرطين، الأول المنهجيات الصحيحة وما يتعلق بها من صلابة فكرية، والشرط الآخر البعد عن مآلات الهوى والرغبات الفردية، وإذا ما توافرت لدى صاحبها فقد حاز خيرا كثيرا على صعيده الشخصي والعملي والمجتمعي، وبالتأكيد الهشاشة في المنهجيات وغلبة الأهواء الشخصية ستطوح بتلك المصالح الجمعية التي سيكون إطارها الأنا قبل الجميع.

أحد المنهجيات المرتبطة بمنهجية المنطق هي انتصاف الذات من الذات، وهي الأرضية الصلبة التي يقف عليها بناء منهجية المنطق وهي التي تجمع بين خصلتين تقع في رأس مكارم القيم الإنسانية، الأولى النزعة تجاه معرفة الحقائق دون شوائب الهوى، والأخرى التغيير السريع في تبني الحقائق عند معرفتها دون الالتفات لتلك الموجودات الفكرية القديمة الخاطئة، وهي بالتأكيد الممكن الحقيقي لتكوين منهجيات صحيحة لدى الإنسان، تقوده في الأغلب للمخرجات الصحيحة وكذلك حصانة أخلاقية من خلال مراقبة الأهواء الداخلية ومقاومتها عندما لا تتماشى مع المنهجيات الصحيحة.

الوصول لحيازة وافرة من الصلابة الفكرية في تكوين المنهجيات الصحيحة وكذلك تقلد أخلاق الفرسان في مقاومة الرغبة والهوى الشخصي ليس بذلك الطريق السهل المعبد، أعتقد أنها بحاجة إلى مزيد من التعلم والتأمل والمراجعات والترقي الأخلاقي الشخصي وهذه رحلة طويلة الأمد ومستمرة ليس لها تاريخ انتهاء، ولكن التشبث بمعرفة هذان الشرطان والتأمل حولها ومراجعة الذات المستمرة تجاهها في جميع المواقف المختلفة ستجعل الإنسان في حالة تطبيقات دائمة ترتفع وتنخفض نتائجها، ولكن بلا شك أفضل كما وكيفا من تلك الطاولة الفكرية والأخلاقية الخالية الوفاض من مثل هذه الشروط.



fahdabdullahz@