نمر السحيمي

التجاهل والتهميش في سياسة المملكة

الأربعاء - 13 ديسمبر 2023

Wed - 13 Dec 2023

التجاهل والتهميش وصف بأنه قمة اللعب السياسي والاستراتيجي والدبلوماسي.

وقد تميزت سياسة المملكة الخارجية بهذا الأسلوب الحكيم منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله وإلى عصرنا الحاضر الذي وصلت فيه المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات.

ويستخدم التجاهل والتهميش في المعترك السياسي غالبا في مواجهة (المتمردين) على الأنظمة والقوانين الدولية العامة التي تضبط علاقات الدول البينية أو الخاصة التي تهيئ أي دولة للانضمام إلى الأنظمة والقوانين العامة.

ويتكون المتمردون المشار إليهم من (جماعات إرهابية) منشقة أو متمردة تحاول من خلال الدعم اللامشروع لها أن تمارس أعمالا مخالفة وخارجة عن القانون الدولي، بهدف تحقيق مكاسب سياسية لها أو لداعميها.

ولا يعد التجاهل والتهميش المانع لهذه الجماعات من تحقيق أهدافها في عرقلة المسار التطبيقي للأنظمة والقوانين الدولية بديلا عن مواجهة المجتمع الدولي لها بالقوة العسكرية الجمعية، من خلال التحالفات العديدة ضد تلك الجماعات إذا وصل خطرها إلى مستوى تهديد الأمن والسلم الدوليين وخرق القانون الدولي الإنساني بقتل الأنفس البريئة.

بل يأتي التجاهل والتهميش لتلك الجماعات في الغالب كسلوك سياسي أحادي من دولة بعينها تكون هي المتضررة من تلك الجماعات، إما بنسبة عائدية أفرادها لجنسيتها أو للدين الغالب فيها.

وفي واقعنا العربي أو الشرق أوسطي ظهرت خلال العقود التسعة الأخيرة الكثير من الجماعات الإرهابية في مقدمتها: جماعة الإخوان المسلمين ومجموعة الميليشيات المتطرفة التي تدعي الانتماء للدين الإسلامي السني والشيعي، وتتلقى دعما لا محدود من دول لها مصالح في المنطقة، وتستخدم هذه الميليشيات كورقة لتحقيق نفوذها.

وحيث تضررت الدول العربية والإسلامية من هذه الجماعات والميليشيات التي ترتدي عباءة الدين الإسلامي وتمارس التطرف والإرهاب تحقيقا لمخططات الدول المعادية؛ وبناء على تكون هذه الجماعات والميليشيات من أبناء الدول العربية والإسلامية بعد وصولهم إلى فساد فكري يصعب عليهم الرجوع منه.

فقد استخدمت المملكة التجاهل والتهميش لتلك الجماعات والميليشيات كونها إحدى أهم الدول المتضررة منها، وقد تميزت المملكة بهذا الأسلوب السياسي الحكيم واضمحل خطر عدد من تلك الجماعات والميليشيات ولم يعد لخطرها وجود كما كان سابقا.

من أهم استخدامات المملكة لهذا الأسلوب ما يلي، بالتجاهل والتهميش من خلال:
  • الإعراض عن ذكر هذه الجماعات والميليشيات في أي تصريحات وبيانات رسمية؛ ولا أذكر أنني سمعت مسؤولا سعوديا يذكر هذه الجماعات والميليشيات أو قيادتها بالاسم أبدا.
  • عدم الالتفات إلى إعلام تلك الجماعات والميليشيات، وعدم الرد الرسمي على أي ما يصدر منهم من تهديدات أو أعمال يهدفون منها تضخيم ذواتهم والتسويق لمكوناتهم.
  • عدم الاهتمام لأي تهديدات تصدر من تلك الجماعات والميليشيات، والاكتفاء بالمتابعة الأمنية الخاصة بالمؤسسات المتخصصة.
  • اختيار المصطلحات التي تعطي الوصف الحقيقي لتلك الجماعات والميليشيات والجماعة الإرهابية والمليشيات المتطرفة وغيرها.
  • حشد الجهود الدولية وتنظيمها والمشاركة فيها؛ والتي تهدف إلى دراسة ظواهر تجمع هذه الجماعات والميليشيات وكيفية تفكيكها والتخفيف من آثارها السلبية على المجتمعات.
  • الرجوع للأنظمة والقوانين الدولية والتمسك بها، وتعليمها وحث دول العالم ومنظماته على الالتزام بها من أجل فرض الأمن والسلم الدوليين. ومحاربة المكونات التي تهددهما.
الحقيقة أن استخدامات هذا الأسلوب السياسي لها صور عديدة في تطبيقات السياسة الخارجية للمملكة.

وهو أسلوب تتساوى المملكة في تطبيقه مع كثير من دول العالم المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما.

وما تجاهل وتهميش الميليشيات الحوثية من قبل المجتمع الإقليمي والدولي بالرغم من جهود الميليشيات الحوثية المتواصلة ومحاولتها المستمرة لتحقيق مصالح دول معادية والتسويق لنفسها من خلال أعمال القرصنة ضد السفن التجارية المدنية، ومن خلال تهديد بعض دول المنطقة بالصواريخ والطيران المسيّر؛ إلا أن أسلوب التجاهل والتهميش من المجتمع الإقليمي والدولي أرهق هذه الميليشيات وكان كابحا وما زال لجماحها، في مسعى للقضاء عليها من خلال الأنظمة والقوانين الدولية التي سيتحقق بها إجماع دولي سيقضي على هذه الميليشيات بتجفيف المنابع التي تغذيها حتى تهلك من داخلها، أو باجتثاثها من جذورها.

alsuhaimi_ksa@