بسمة السيوفي

اليهود مرة أخرى

الثلاثاء - 12 ديسمبر 2023

Tue - 12 Dec 2023

منذ بداية أحداث غزة الغاشمة كنت قد وعدت في مقال سابق عنوانه (المهزلة)، أن أفصل أكثر في مسألة اليهود الذين نجحوا في الترويج للعالم أنهم العرق الوحيد الذي يعاني من الظلم والتمييز العنصري.

ولا أريد لهذا المقال أن يكون تفصيلا تاريخيا بقدر ما أرى أهمية التعريف بمن نسبوا إلى يهوذا، أحد أبناء يعقوب عليه السلام، لماذا بقوا «شعبا بلا أرض» في أوطانهم، وكيف غرسوا جذور الكره الشديد لهم عبر عصور التاريخ؟ ولماذا ينتظر اليهود ظهور البقرة الحمراء لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم؟!

كان تقسيم فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل في أعقاب الحرب العالمية الثانية تتويجا لطموحات الحركة الصهيونية في تأسيس دولة تجمع يهود الشتات في بلد واحد.

اضطر مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الهجرة من مساكنهم وأراضيهم في حرب 1948، وهدفت موجات الهجرة اليهودية الجماعية إلى جعل الفلسطينيين أقلية في بلادهم والاستحواذ على أراضيهم.

ينص قانون العودة الإسرائيلي على أن اليهودي هو فرد ذو أم يهودية، وتطلب الحاخامية الكبرى في إسرائيل وثائق تثبت يهودية الأم والجدة وأم الجدة وأم أم الجدة عند التقدم للزواج، ولا يعترف بيهودية الطفل إلا بشرط أن تكون والدة الطفل يهودية، بينما يتبع يهود «القراؤوت» بالدرجة الأولى نسب الأب.

يتم ختان الولد اليهودي في اليوم الثامن من ولادته، وهي سنة شائعة لديهم منذ إبراهيم عليه السلام.

يوجد في العالم حوالي 14 مليون يهودي، حوالي 74% من يهود العالم هم يهود أشكناز، مقابل 26% من يهود العالم هم يهود سفارديون ويهود مزراحيون.

يتركز المجتمع اليهودي في دولتين وهما: إسرائيل والولايات المتحدة والتي تحوي 82% من مجمل اليهود في العالم، وهناك أيضا تجمعات يهودية في كندا، والأرجنتين، والبرازيل، وروسيا.

وصفهم الدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعته «بالجماعات» وليس «الشعب اليهودي» لانتفاء الوحدة العرقية والدينية والحضارية المتكاملة.

ليس هناك قيادة دينية موحدة في إسرائيل، ولا وجود لسلطة إدارية واحدة مسؤولة عن العقيدة الدينية، بل هناك مجموعة متنوعة من المؤسسات العلمانية والدينية تدير المجتمع اليهودي وقضايا الشأن اليهودي.

وتستمد اليهودية شرائعها وعقائدها الأساسية من التوراة، وهي أول خمسة أسفار من الكتاب المقدس.

في اليهودية أربع طوائف أساسية: طائفة الأرثوذكس والمحافظين والإصلاحيين، بالإضافة للقراء الرافضين للتلمود وللسامريين الذين يرفضون اسم اليهود، بل يسمون أنفسهم بني إسرائيل، سلطة الفتوى (الهالاخاه) للحاخامية الكبرى في إسرائيل، وتتكون من اثنين من كبار الحاخامات، واحد من السفارديم والآخر من الأشكناز.

ينحدر اليهود الأشكناز من المجتمعات اليهودية في أوروبا الوسطى والشرقية، معظم أوروبا ويقصد بهم اليهود الغربيون، أما «السفارد» فيقصد بهم اليهود الشرقيون.

وفي الدولة الصهيونية، تستخدم عبارة «عيدوت مزراحي» للإشارة إلى الجماعات الشرقية بأسرها بغض النظر عن انتمائها الديني.

أما مزراحي فتعني باللغة العبرية «مشرقي» وتطلق على اليهود المنحدرين من سلالة يهود الشرق الأوسط مثل يهود إيران، العراق، والسودان، واليمن، وغيرها.

يهمنا من هذا التفصيل أن الإسرائيليين الأشكنازيين هم عموما أقل تدينا وأكثر ليبرالية اجتماعيا، وآراؤهم أكثر إيجابية تجاه تحسين العلاقات مع الشعوب العربية، يعارضون الاستيطان مقارنة بإسرائيليين من أصول السفارديم والمزراحي.

يتوجه اليهود المتدينون في صلواتهم نحو أورشليم القدس، ويعيش اليهود على توقع مجيء عصر المخلص الذي يسود فيه السلام العالمي على الأرض وفقا لرؤيا أنبياء إسرائيل.

ينتظر اليهود ظهور البقرة الحمراء لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم وبعدها ظهور المخلص.. لأنه طبقا للخرافات اليهودية، لا يحق لأي يهودي دخول بقعة المسجد المقدسة بعد هدمه، إلا بشروط فقهية، أبرزها التطهر عبر ذبح بقرة حمراء لا شية فيها، وحرقها مع خليط ضخم من شجر الأرز، وإذابة رمادها في الماء، ثم نثر هذا الماء على كل يهودي يريد دخول الهيكل المزعوم!

تاريخ اليهود تاريخ حافل بصور الكفر والكيد، قوم بهت ونكران ومغضوب عليهم، فقد تلوثت أيديهم بكل منكر قبيح بدءا من الوشاية بالأنبياء، وانتهاء بقتلهم، عذبهم الله في مواضع عديدة.. «شتتهم في الأرض ومسخ بعضهم قردة وأرسل عليهم الصيحة وسلط عليهم الملوك الجبابرة، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم لم يسلم منهم وحاولوا قتله وتسميمه».

كانوا مجرد جماعات تابعة وعنصرا دخيلا غريبا في أي أرض حلوا بها، ولاؤهم الحقيقي لجماعتهم ومصالحها، والولاء الأقل للدول التي يعيشون فيها، نصبوا العداء لكل الأوطان المستقرة، وكانوا مصدر الخيانات والمؤامرات والفساد، والنتيجة كراهية أغلب شعوب العالم.. فكان التنكيل والترحيل والإبادة.

تم حل المسألة اليهودية المتخمة بالقمع.. بمؤامرة على حساب الشعب الفلسطيني، وتم تشريع قوانين معاداة السامية لتكفر الدول الغربية عن ذنب كراهيتها المتأصلة والممتدة لليهود.

لكن مشاعر الاضطهاد ورواسب الشتات والتيه والتشرد لدى اليهود أفرزت في المقابل تعاضدا جماعيا وإنجازا وتميزا في كافة القطاعات «المهنية والعلمية، في الاقتصاد والمال والفن والترفيه، وصولا إلى النشاط الحقوقي والسياسي».. هذه هي الأسلحة التي يسيطرون بها على مقدرات العالم ليسلبوه ثرواته.

التساؤل الذي يطرح نفسه ماذا فعل العرب بعد كل هذا.. ماذا فعلوا ما بين النكبة والنكسة؟ وما ناتج الفعل بعد 75 عاما من التطفل والاغتصاب؟ المزيد من التشرذم.. وتنفيذ خطط فرق تسد بالنيابة عنهم، التآمر والتناوش، الشجب، والاستنكار.. محاولات لوضع المراهم على الجرح.. فما طاب بما فعلوا.. ولن يطيب إلا كما وعد العدل الحق.. في آخر الزمان.

يجابه الخصم بالقوة والمعرفة.. والخصم بهات أثيم.. فهل حقا نعرف عنه، مقارنة بما نعرف عن أنفسنا؟

smileofswords@