أحمد الهلالي

حبر العارف للاستمتاع بسحر الطائف

الاثنين - 11 ديسمبر 2023

Mon - 11 Dec 2023

حين يخالجك الشعور بالضجر، وتستولي السآمة على حواسك، وتتساوى في نفسك كل الأوقات، إلى درجة أنك تشعر بتفاهة الحياة وتخشب الواقع، فأنت بحاجة إلى تجديد الهواء في رئتيك، والخروج من رتابة واقعك، وإسمنتية مشاعرك، ولا بد من صناعة واقع مغاير، عندئذ ولّ وجهك مدينة ترضاها، مدينة مبدعة صحية كل ما فيها فاتن وساحر، تشعر بحميميتها منذ اقترابك منها، فإن قادك الغرب فانغماس في عبير ورد جبالها، وإن حملك الشرق فتاريخ يضوع من عكاظها، وإن امتد بك الجنوب فلا أرق من نسائم بساتين الأعناب والرمان، حتى إذا صرت في قلبها، تغير تاريخ لحظتك وانبسط جمال الحياة في أعماقك.

إنها الطائف، وإنك أنت، وهي لديك أغلى من ذاتك؟ ومن تلك اللحظة التي تنسكب في أعماقك عمرا آخر من البهجة والحبور، فأنت لا تسير في مدينة، بل تدلل ذاتك في نسيج فاخر من التاريخ العابق بالروائع، وتعبر إلى روضة غناء من رياض الإبداع الرباني، وحديقة مترعة بجداول الحس الإنساني، فجمال الطائف لم يستوعبه العقل العربي طازجا كما هو، بل احتاج إلى مسوغ حينما شدهته فتنتها وحيرته، فكانت أسطورة اقتطاعها من الشام، وما أجمل أن تتخلص من همومك وتسير في عروق أسطورة جمالية.

قبل أن تحمل أمتعتك تزود بمعلومات عن الطائف، تاريخا، شعرا، وصفا؛ لأنك ستقرؤها مرة أخرى حين تنساب في أثنائها، فكن شاعرا حين تنغمس في قلبها، فهي مدينة مبدعة شاعرة، سبت قلوب الشعراء، وفتنت أرواحهم، وكن مؤرخا لتنعم بعبق تاريخها المكنوز في تفاصيلها، وكن نغمة طروبا تجوس خلال بساتينها وتضاريسها، وإن كنت طلاليا فالطائف طلالية منذ الساقية سما سما، أنصت ستسمع نغمات عوده في تغريد العصافير وتطريب النغاري، وافتح صدرك باتساع الحياة والجمال.

لا تكن بسيطا، فالطائف فخمة وأثيثة، تحب فخامة الذائقة المصرة على سبر أغوار جمالها، وحينذاك ستكشف لك عن تفاصيلها، وربما تبثك شجونها، مثلا: ستشكو لك من ظلم ربطها بالصيف، فهي سيدة كل الفصول، فكن كثيرا واستمتع بإثارة شتائها، فأنت قادم من لظى الضجر وسأم الروتين، تجرد من أفكارهم وانطباعاتهم واصنع عالمك الشتوي في بردها الحنون، لن تحتاج إلى أكثر من ملابس شتوية، وفي خلجات المساء إلى جلسة انتشاء على شاطئ جمر العرعر أو وشذا السمر، وهيهات أن تمّحي تلك الذكرى من مخزن الذكريات الأثيرة في نفسك، ستحتاجها حتما حين تعاودك نوبات الضجر والروتين.

وكيما تكون جزيلا في التمتع بالطائف، لا تدع سحر أرضها يشغلك عن فتنة سمائها، فهي مهوى أفئدة السحاب، ربما تجد سحابة تشبهك، جاءت باحثة عن الشعور بالحياة، فأقامت في سماء الطائف، حتى إذا طربت نثرت أغنيتها، وبللت مفرق لحظاتك السعيدة.

وبعد أن قرأت الطائف مرتين، لا تدخل أبواب الطائف مشحونا بمشاعر الغريب، فقد أنشأت رابطة بينك وبينها، فهي تراك وردة أو دالية عنب أو جلنارة أو غيمة، فعبر عن ذلك في أناشيدك العميقة، وغنائك الداخلي، بل في ابتسامك إلى إنسان الطائف الودود، فأهلها كرماء، تتدلى من كروم أرواحهم عناقيد النخوة والفزعة والكرم، تراحيبهم مطر، وأحاديثهم مجرور ووتر، ستحظى معهم بألفة الإنسان، كما حظيت بألفة المكان، وستعود إلى مبتدئك كائنا جديدا مبدعا، وحين يسألونك عن الضجر والسأم، ستقول: دلال الطائف يجبُّ ما قبله.

ahmad_helali@