عبدالله السحيمي

جامعة طيبة.. إشراقة متجددة

الأحد - 10 ديسمبر 2023

Sun - 10 Dec 2023

مُذ تأسست جامعة طيبة قبل عقدين من الزمان وهي تسعى حثيثة في رسم خططها الاستراتيجية للتعامل مع الأولويات بدءا من تحديد المسارات الاستراتيجية، إلى بناء المزايا التنافسية، وتوزيع الموارد وتخصيصها، والتطوير المستمر، وتبني التغيير الانتقالي سعيا إلى تحقيق رؤية ورسالة التعليم العالي وتحقيق أهدافه.

ومر عليها وبقي الأثر من أصحاب المعالي شرفوا في إدارة دفتها تخطيطا وتنفيذا ومتابعة وتقويما، وتزداد المسؤولية على عاتق من حظي بشرف خدمة المدينة المنورة قبل الجامعة، وهو شرف عظيم الشأن يتجاوز حدود المكان والمكانة واستنطاق واقع احتياجات المنطقة وتطلعات الرؤية التي يسعى لها الجميع، في خطط تلامس وتناقش قيمة الأبعاد التي نتطلع إلى تحقيقها، وذلك من خلال إعادة النظر في الاحتياج الذي يوائم القفزة الحضارية واستحداث برامج مميزة تسهم في بناء مفاهيم تساعد على البناء التنموي باستدامة المستمرة.

كانت المدينة المنورة محطة هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجهته بعد أن غادر مكة المكرمة، فشهدت أول دستور ووثيقة فيها، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى أن يكون للمسؤولية الاجتماعية والاستثمار والابتكار الاجتماعي حضورها كبرامج جامعية تتبناها الجامعة لخصوصية المكان وما تحمله هذه المدينة من مكونات روحانية وتاريخية في نجاح مثل هذه البرامج التي تأتي من خصوصيتها وقيمتها ومكاناتها.

ومن القرارات المميزة التي حظيت بها المنطقة التوجيه الذي أتاح فتح باب العمرة على مدار العام، وهو يؤكد أن هناك العديد من الجنسيات المختلفة وبلغات متنوعة ستحط رحالها في كل حين، وهذه التعددية تساعد على تحديد أكثر الأفواج قدوما ودراسة لغاتها في برامج نوعية كاللغات الشرقية الفارسية والأوردية والصينية واللغات الغربية كالإسبانية والفرنسية والألمانية وغيرها، تحت مظلة كلية للغات والترجمة؛ لدعم سوق العمل والاستفادة من الخريجين في المؤسسات والجهات الخدمية، وهذا ما يؤكد على أن الحاجة ماسة في إدراج مثل هذه التخصصات النوعية في برامج الجامعة التي يتطلبها سوق العمل.

كما لا يغيب عن آفاق الجامعة مساهمتها الفعالة ومشاركتها في تحقيق الأهداف الرئيسة للتنمية الاقتصادية في صناعة السياحة بإنشاء برامج بكالوريوس ودبلومات عالية تستهدف أبناء المنطقة في دراسة مقومات السياحة الطبيعية والبشرية في المملكة، ودراسة الآثار وبناء المتاحف وتنظيمها وإدارتها وخدمات الفندقة، وبرامج لتأهيل مرشدين سياحيين منبثقة من كلية للسياحة بما يضمن تحقيق الغايات منها، ومنطقة المدينة المنورة وسوق العمل بها مهيآن لاستقبال السياح ومؤهلان لاستقطاب هذه المخرجات.

وتحتل المدينة المنورة اليوم من حيث المساحة في المرتبة الثالثة للمناطق الإدارية في السعودية، والخامسة من حيث عدد السكان، واحتضنت في رحابها عددا من الجامعات والكليات، تبوأت فيها جامعة طيبة مكانة متقدمة تستوجب زيادة الطاقة الاستيعابية للمقاعد لأبنائها، والاستجابة للطلب السكاني المتزايد على التعليم العالي في المنطقة، مع الاحتفاظ بمستوى الجودة المنشودة وتحسين مخرجاتها بتنافسها مع الجامعات الوطنية والعالمية.

الجامعة بمخزونها الزاخر بالعطاءات الثرية والإمكانات المتعددة وما تحمله من كفاءات بشرية يمكن الاستفادة منهم والاستزادة بخبرات متنوعة حتى من انتهت خدماته وأحيل للتقاعد في ظل وجود بيت خبرة استشاري يكون داعما للمؤسسات والجهات التي تطلب مثل ذلك، ويكون هناك ما يسمى ببيت طيبة للخبرات العلمية يهدف ويستهدف البناء التكاملي كل في مجاله وتخصصه تحت مظلة الجامعة التي تبقى وتظل مركز إشعاع علميا مما يدفع لتحقيق استثمار الموارد البشرية بعناية فائقة في كل المجالات.

كل ذلك يدفعنا إلى أهمية الحوار في استهداف ماذا يريد المجتمع من الجامعة؟ وماذا يمكن أن تحققه الجامعة في كل الأصعدة تحت مظلة الطموح والقيادة التي توفر كل الإمكانات التي تجعلها تتقدم لمراجعة واقع العلاقة مع المجتمع من حيث الدور والمرتكزات الأساسية لتحقيق التنافسية والخوض بأدوات تساعد وتساند على الإنتاجية، ووجود منهجية علمية معلنة تتيح الشفافية في أن الجميع مسؤول مسؤولية تامة من حيث التكامل في تقديم رسالة سامية حفاظا على تطلعت تخدم الوطن أولا، والمدينة ثانيا، فكفاهما كفتان ترجحان لتقديم التميز.

وتأتي سعادة رئيسة الجامعة اليوم نوال محمد الرشيد كأول سيدة تدير هذه الجامعة، وهي خطوات مقدرة في تمكين المرأة السعودية وهي قادرة - بتوفيق الله وتسديده - على النجاح المثمر الذي يكفل التطلعات المستقبلية. والسؤال المتجدد ماذا يريد المجتمع من الجامعة؟ وأين هي اليوم؟ وما هي الغايات والأولويات؟ والإجابة على التساؤلات لا تسكن في الرضا أو التنكر للجهود الماضية والقادمة، بل نجدها في عدة محاور ومرتكزات لا تخلو منها متطلبات التغيير بإعادة النظر باستكشاف واقع ممارسات التخطيط الاستراتيجي ورصد المعوقات، والوقوف على التحديات التي تواجهها، وتقويم مدى التكامل بين التخطيطين الاستراتيجي والمالي، واقتراح الإجراءات والآليات التي تحقق التكامل وتساهم في ترسيخ الجودة في مجالات نشاط الجامعة الثلاثة: التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع؛ لبلوغ الريادة العالمية من خلال التخطيط المتكامل وإدارة التغيير على نحو جذري لإنجاح التغيير.

ولتطوير كفاءة الجامعة وتعزيزها ورسم مستقبلها والارتقاء بمكوناتها على النحو الذي يمكنها من الاستجابة لمتطلبات التنمية الشاملة، بتبني خطة استراتيجية للرؤية المستقبلية في مشروع الجامعة التي نود، لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية يتقدمها تحقيق نظام ضمان الجودة فعليا وفقا للمستوى المنشود من كل المنتسبين، بدءا بتحسين طبيعة البنية التحتية وتقنياتها، وتطوير برامج ومناهج ذات جودة عالية موافقة لحاجات الوطن اليوم، وتعزيز البحوث والابتكارات المنتجة الموائمة لحاجات سوق العمل، وتعزيز هيكل للحوكمة وتنظيمها من خلال تحسين المرونة والمحاسبة والقيادة والشفافية والمشاركة والاستجابة.

وليؤدي المشروع مبتغاه إنشاء بوابة الكترونية له، تؤدي دورا في التعريف به، وقاعدة بيانات لإدخال المشاريع القائمة والمبادرات والخطط التنفيذية، وتحديد الإطار الزمني للتنفيذ، ومؤشرات الأداء والمتابعة في خططها المحدثة، وإثراء المجتمع المحلي ببرامجها ومشاركتها بما يحقق الصورة الأكمل والأجمل في وصولها تنافسا وحضورا تتبوأ فيه مرتبة متقدمة في التصنيفات العالمية، والقفز بها إلى أعلى المؤشرات التي تستحقها، ونثمنه في إعداد آلية تشمل فروعها في محافظات المدينة المنورة واستكمال المشاريع التي تنهض بها.

ويعقد الرهان بمقدرتها بتحقيق حراك كبير لتبني إشراقة متجددة، ومواءمة وتوافق بين اتجاهاتها وتحولات البيئة ومتطلباتها الجديدة، نراه في منجزاتها المشاهدة على أرض الواقع، وتبني هوية تميزها تجسد رسالة المنطقة وكينونتها الفعلية بمراكز وجمعيات علمية تستقطب العالم لعاصمة الإسلام الأولى، ومؤتمرات تحرك سكونها وتحقق الرؤى من خلال خاصيتها بمواكبة التوجهات والتجارب العالمية في التعليم العالي.

إن التعليم يحظى بدعم متواصل من قيادة هذا البلد الكريم ومن وزير التعليم ومن أمير منطقة المدينة المنورة ونائبه الكريم، كما أن سعادة رئيسة الجامعة حظيت بالثقة - وهي أهل لها - في تبني مبادئ الارتقاء بالتخطيط الاستراتيجي ووضع إجراءات عملية لتجاوز كل المعوقات، وتحسين مستوى العلاقة بين قيادة الجامعة ومنسوبيها، وبين الجامعة ومؤسسات المجتمع المدني، وتجديد الدماء، فمن خلال تجارب الجامعات المحلية والدولية كان التحول والارتقاء بالمستوى اعتماد معايير التميز والكفاءة في اختيار القادة الأكاديميين في الجامعة، التي تنبذ التركيز على الأشخاص بعينهم والتمسك بأسماء دون غيرهم؛ فالتنويع والتجديد وإعطاء الفرصة والاستفادة من الطاقات الحيوية والكفاءات المتعددة، مع وأد الأساليب الإدارية التقليدية والروتينية التي تشكل عائقا لكل تقدم، والاطلاع المستمر على خطط الجامعات المتقدمة والاستفادة منها، لجامعة تستوطن المدينة المنورة وتسكن في وطن نسكنه ويسكننا بالحب والعطاء والولاء.

Alsuhaymi37@