بشرى فيصل السباعي

الاستقلال المنفرد بالسكن

الأحد - 10 ديسمبر 2023

Sun - 10 Dec 2023

يشعر المجتمع بالقلق تجاه ما يراها ظاهرة انتشار رغبة الشباب من الجنسين بالاستقلال بالسكن عن الأهل قبل الزواج؛ بسبب نزعة الاستقلالية الفردية التي تكون مرحلة صحية من مراحل تطور شخصية الإنسان، ابتداء من سن المراهقة إن تعامل معها الإنسان بوعي بالأهمية النفسية الفطرية لأن يكون جزءا من عائلة، مع العلم أنه من حيث المبدأ ليس صحيحا أن كل من يريد الاستقلال بالسكن لديه دافع لا أخلاقي من وراء ذلك خاصة بالنسبة للنساء.

خبرة الاستقلال بالسكن جذابة بالنسبة للشباب كأي شيء جديد ومختلف وفيه تقليد لنماذج جذابة يرونها في مواد الترفيه الأجنبية لكن سيتغير حب الاستقلالية بالسكن إلى كره عندما يبدأ الشعور بالفراغ والوحدة والوحشة وبخاصة عندما يمر الإنسان بأزمات نفسية وصحية ولا يجد حوله من يناوله كأس ماء أو حبة دواء أو يسعفه إن فقد الوعي واحتاج للإسعاف الطبي أو من يواسيه ويخفف عنه ويؤنسه ويشاركه أفراحه ويتحمس للعودة إلى البيت ليخبره بأخباره المحمسة.

فالإنسان الذي كان يعشق الاستقلالية والعيش لوحده عندما يمر بأزمة وجودية قد يصاب بنوبات الهلع والكرب النفسي من الوحدة والوحشة لكن يمنعه الكبرياء عن العودة إلى بيت أهله وبخاصة وأن علاقات الصداقة غالبا لا تكون بالعمق الذي يعوض عن الأهل، فيلجأ إلى محاولة تسكين معاناته بالعقاقير النفسية على أفضل خيار لكن كثيرين يختارون الأسوأ ويدمنون لتخدير شعورهم بالوحشة والوحدة والمعاناة النفسية بخاصة مع تأخر سن الزواج للجنسين مما يعني قضاء المستقل بالسكن فترة طويلة وحيدا، ومن وجه آخر استعجاله إرادة الخلاص من الوحدة بالزواج قد يجعله يرضى بخيار ما كان ليرضى به لولا شدة شعوره بالحاجة لمن يؤنس وحشته وإن كان زوجا فيه عيوب جذرية وخطيرة، والكبرياء يمنعه حتى عن أن يحدث أصدقاءه بأنه يشعر بالوحدة والوحشة ويتمنى العودة إلى بيت العائلة؛ لأنه لا يريد أن يبدو بمظهر ضعيف أمام أصدقائه؛ لأنه لم يحتمل مشاق الاستقلالية المادية والنفسية، وهذا سبب عدم معرفة الآخرين بسلبيات الاستقلال بالسكن.

صحيح إن وجود الإنسان في بيت العائلة يفرض عليه التزامات مادية ومعنوية يعتبرها عبئا عليه؛ لأنه لا يراها من منظور الحب إنما من منظور الواجب، وهذا أكبر خطأ تربوي يرتكبه الأهل بجعل مفهوم الواجب بديلا عن مفهوم الحب في ثقافة العائلة، فمفهوم الواجب مفهوم إكراه معنوي، بينما الحب هو وازع رغبة ذاتية في التفاني بالقيام بما يساعد ويسعد الآخرين؛ ولذا عندما يكون إغراء العائلة هو مفهوم الحب وليس الواجب سيكون أقوى حتى من جاذبية تجربة الاستقلال بالسكن، وحتى عندما يحقق الشاب والشابة أمنية تجربة الاستقلال بالسكن ويصل إلى مرحلة الشعور بالوحدة والوحشة والحنين لجو العائلة فلن يكون كبرياؤه أقوى من حب العائلة وسيرجع مباشرة للعيش في بيت العائلة، لكن أحيانا يكون سبب الرغبة للاستقلال بالسكن هو الجو السلبي للعائلة الذي يجعل حياة أفرادها تعيسة وبائسة بحيث حتى أن الوحدة ووحشتها تكون أقل تعاسة من بيئة بيت العائلة.

ظاهرة الاستقلال بالسكن يمكنها أن تكون مؤثرا إيجابيا في تغيير العوائل لطبيعة البيئة والثقافة العائلية للوقاية من تنفير الأبناء عن بيت العائلة وجعلهم يريدون تركه ومنح الأبناء حيز حرية وخصوصية يشبع لديهم الحاجة للشعور بفرديتهم، ثم لازال لم يظهر بعد تأثير استقلال الفتيات بالسكن على فرص زواجهن فالظاهرة إن صح وصفها بذلك لازالت في بداياتها، والمجتمع ليس لديه تقبل لفكرة سكن الفتاة لوحدها مع وجود أهلها مما قد يؤثر على فرص زواجها ونوعية من يتقدم لها، وهذا اعتبار يجب على الفتيات التفكير به مليا والتحقق منه قبل الاستقلال بالسكن.