بندر الزهراني

جامعتان بريطانيتان في الميدان!

الاحد - 10 ديسمبر 2023

Sun - 10 Dec 2023

أتذكر أنني قبل ثلاثة أعوام كتبت مقالا عن اجتماع الطاولة المستديرة الافتراضي، ولم تكن وقتها قد تطورت نقاشاتها لتصل مرحلة الإعلان عن افتتاح جامعتين بريطانيتين في المملكة بحلول عام 2025م، بل كانت محصورة في تكوين مجموعات بحثية ومناقشة أولويات البحث العلمي بين جامعات المملكة وبعض الجامعات البريطانية، وهذا التطور الملحوظ في نقاشات الطاولة المستديرة وما نتج عنها من قرارات تاريخية يجعلني كغيري من النقاد الأكاديميين وكتاب الرأي العام أن أكتب عنها بكل فخر واعتزاز.

واليوم جاءتني الفرصة لأكتب -وأنا أشعر بكثير من العظمة والزهو- عن ثمرة من ثمرات ما يخطط له قائدنا الفذ سمو ولي العهد - حفظه الله -، فهو الذي بدأ الخطوة بتأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية مع المملكة المتحدة، وهو الذي جعل تطوير التعليم أحد أهم مستهدفات الرؤية الوطنية، وهو القائد ذو الرؤية الثاقبة والنظرة الاستراتيجية المسددة، ولا شك أن تطوير التعليم يدخل ضمن هذه الشراكة الاستراتيجية، واستثمار قطاع التعليم العالي يأتي في مقدمة مجموعة من أولويات تلكم الشراكة، وهذه خطوة رائدة وغير مسبوقة في التعليم الجامعي المحلي، وسيكون لها أثر إيجابي في بناء حركة علمية داخلية ونشاط بحثي منافس.

ماذا يعني وجود جامعات أجنبية تعمل جنبا إلى جنب مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا وجامعة نيوم وجامعة الملك سعود؟ في اعتقادي أن وجود جامعات أجنبية لا تقل جودة عن جامعاتنا هذه سيزيد من مساحة التنافس النوعي في الجوانب الإدارية، وسيرفع من سقف المنافسة في استقطاب الكوادر الأكاديمية الأجنبية والمحلية، فضلا عن جودة البرامج والمواد التعليمية المقدمة وبالتالي خلق نوعية خاصة من الطلبة تستطيع التأقلم والاستفادة من البرامج العلمية محل التنافس.

وبالنظر والتأمل في التجارب العربية المشابهة نجد أن الجامعة الأمريكية في القاهرة وبيروت والشارقة قد تفوقت نسبيا على نظيراتها من الجامعات المحيطة بها، وهذا يعكس ركود برامج الجامعات الحكومية مقارنة بما تقدمه الجامعة الأمريكية هناك، ولا أعتقد أن مثل هذه التجربة قابلة للتكرار فيما أعلن عنه مؤخرا بافتتاح جامعتين بريطانيتين في المملكة، أولا لأن جامعاتنا الأربع - السالف ذكرها - هي جامعات مستقلة بذاتها استقلالا ماليا وإداريا، وهي في الواقع جامعات عالمية في نمط إدارتها ونوعية برامجها، ثانيا -وهو الأهم- أننا سنجد حماسا وعملا دؤوبا من هذه الجامعات وغيرها لرفع مستوى طواقمها الإدارية والأكاديمية بما يتناسب وحجم المنافسة مع الجامعات الأجنبية.

وبجانب الاستفادة المعرفية وتطور حركة البحث العلمي ورفع مستوى الجاهزية الإدارية ستوفر هاتان الجامعتان فرص عمل للأكاديميين والإداريين المحليين خاصة من أولئك الذين يتمتعون بتأهيل عال في تخصصاتهم ومجال أعمالهم، وهذا كله يصب في مصلحة زيادة الاستثمار في العنصر البشري المحلي، ويبقى الحديث عن مستقبل هذه التجربة منوطا باسم الجامعتين البريطانيتين المزمع افتتاحهما في المملكة، ونوعية البرامج المقدمة منهما، والكوادر الأكاديمية العاملة فيهما، واختيار مقرهما المكاني، وقبل هذا وذاك الإدارة التي ستقود دفتيهما.

الجميل في الإعلان عن افتتاح الجامعتين البريطانيتين -وكله جميل- أنه لم يشر إلى مجرد افتتاح فروع لجامعتين معروفتين، كما هو حال فروع بعض الجامعات العالمية في منطقة الخليج، حيث تنتشر فروعها بشكل لم يكتب لكثير منها النجاح والانتشار، بل إن الإعلان حمل في ثناياه ما يدعو للتنبؤ بإمكانية افتتاح جامعتين بكامل طاقتهما التشغيلية، وهذا بلا شك سيجعل طموحنا أكبر بكثير من مجرد تبني أو استنساخ برامج ناجحة في ظروف معينة وحالات محددة، قد يكتب لها النجاح هنا، أو أنها قد تنجح نجاحا نسبيا أو دون المأمول لا سمح الله.

وكما ورد في الإعلان فإن افتتاح هاتين الجامعتين سيكون بحلول عام 2025م، أي بعد عام واحد من الإعلان، وهذا مؤشر إيجابي آخر يعكس مدى جدية الخطوة وسرعة تنفيذها، بل وجاهزية الجامعتين للبدء بالتدريس واستقبال الطلاب، وكنت أرجو مع إعلان خبر الافتتاح أن يعلن عن اسم الجامعتين وعن المدينتين المستضيفتين لهما، فلربما أخضع بعض المبتعثين والأكاديميين أنفسهم لبرامج إدارية مكثفة يكتشفون معها شيئا من وهج مهاراتهم الإدارية وإبداعاتهم الأكاديمية، واستعدادا لدخول ساحة المنافسة، من يعلم قد يكون بعضهم محل اهتمام وحرص الجامعات المتنافسة للفوز بخدماته الإدارية وإبداعاته الأكاديمية!

drbmaz@