علي المطوع

حرب غزة والقيم الغربية

السبت - 09 ديسمبر 2023

Sat - 09 Dec 2023

أكثر من ستين يوما والكيان الإسرائيلي يواصل عملياته العدوانية على شعب غزة الأعزل، وبالرغم من الضراوة التي تصاحب تلك العمليات، إلا أن الواقع الميداني لم يصل بعد بالإسرائيليين للنقطة التي تجعلهم يتوقفون عن ممارسة تلك السياسات المرعبة وغير المسبوقة تجاه المدنيين الأبرياء، والسؤال المطروح متى ستنهي إسرائيل هذا العدوان؟.

بالأمس استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حقها في نقض مشروع قرار يطالب بوقف الحرب في غزة، وهذا يأتي ضمن سلسلة الانحيازات التي تمارسها أمريكا ضد كل حق عربي مشروع في فلسطين المحتلة، هذا الفيتو يتناغم تماما مع سياسات الكيان الإسرائيلي ونظرته للحرب الأخيرة، والتي يريد من خلالها تغيير الواقع على الأرض، للوصول إلى صيغة جغرافية جديدة تسمح له بالمزيد من الاستيطان على حساب غزة وأهلها وقد يتراجع الإسرائيليون عن هذه الغاية ويستبدلونها بمساحة صغيرة على الأرض يجعلونها كالشريط الحدودي الذي يحمي مستعمراتهم من تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر، وفي الحالتين سواء كان ذلك احتلالا كليا لغزة أو لمساحة بسيطة من الأرض، فإن إسرائيل ستظل تعاني من خطر وجودي يتجدد كل يوم، فمساحة غزة صغيرة جدا، والديموغرافيا تميل حكما للفلسطينيين، والتاريخ كذلك ينحاز للقضية الفلسطينية كحق شرعي لأهلها الذين جردتهم إسرائيل من جميع حقوقهم الشرعية.

فاجأت غزة الجيش الإسرائيلي على الأرض، وأصبحت حرب الشوارع من خلال المسافات الصفرية هي الشكل العام لهذه الحرب، وهذا واقع جديد فرض على الجندي الإسرائيلي، أن يقاتل من المسافة صفر، وأن يشتبك مع الفلسطينيين مباشرة وكأنهم في حروب العصور الوسطى عندما كان يتقابل الفرسان وجها لوجه.

هذا الصراع العسكري الجديد هو من أضعف فاعلية الترسانة العسكرية الإسرائيلية وجعلها عديمة الفائدة في مقابل تسليح بدائي يبدو أنه يدمي جيش الاحتلال كثيرا ويجعله غير قادر على حسم المعركة في وقت وجيز.

المدنيون العزل يدفعون الثمن غاليا، دماء وممتلكات ونقص في الغذاء والدواء وكل متطلبات الإنسان ليبقى على قيد الحياة، فإسرائيل تنتهج سياسة الأرض المحروقة، وخصومهم يتمترسون في أنفاقهم ويفاجؤونهم بعمليات نوعية سريعة عطلت فاعلية الجيش الإسرائيلي، وجعلته كالأعمى الذي يبحث عن موطئ قدم يحفظ توازنه ويمنعه من السقوط تحت وابل من الضربات التي تأتيه من كل حدب وصوب.

هذا ملخص المشهد الذي نراه على امتداد أكثر من ستين يوما من العدوان، وأرقام ضحايا المدنيين تزيد يوما بعد يوم، والعالم الغربي يتجاهل الصيحات والصرخات البريئة لتلك الأنفس التي أجهزت الآلية العسكرية الإسرائيلية عليها دون رحمة أو شعور بالذنب.

المفارقة العجيبة في هذه الحرب لن تكون في أعداد الضحايا ولا نتائجها على الأرض ولا مستقبل غزة وأهلها الذين يراد لهم الترحيل القسري، المفارقة ستكون داخل العالم الغربي نفسه وقيمه المجتمعية والسياسية التي عرتها هذه الحرب، فالليبرالية الغربية سقطت شعارا وممارسة، والقادم سيكون أسئلة مشرعة أمام المفكر الغربي الذي ما انفك يدافع عن قيمه ومبادئه والتي أعلن أنها ستصبح منتهى الأفكار ونهاية المعتقدات التي سيعيشها الإنسان في قادم الأيام على هذه الأرض، ولعلنا نتذكر جميعا أطروحة المفكر الياباني/الأمريكي فوكوياما عندما بشر في كتابه الشهير؛ نهاية التاريخ والإنسان الأخير، بالليبرالية الغربية كقيمة أخلاقية وملاذ أخير تعيش في ظله الإنسانية جمعاء، واليوم يصاب العالم الغربي وقيمه في مقتل، فكيف يمكن لهذه القيم أن يصونها الغرب في عقر داره ويبشر بها وفي الوقت نفسه ينتهكها في أماكن أخرى وآخرها غزة؟!.

alaseery2@