متى نستوعب الثقافة الشعبية في المدن؟
السبت - 09 ديسمبر 2023
Sat - 09 Dec 2023
في أحد الأيام توقفت بسيارتي لإيصال شيخ طاعن في السن.
الطريق كان مظلما وموحشا، والأمطار تهطل بغزارة ولم يتبين لي ملامح هذا الشخص، حيث كان يلف وجهه بالشماغ المبلل بماء المطر.
حاولت النظر إلى ملامحه، ولكني شعرت بالقشعريرة كلما وجهت نظري إليه.
لا أعرف من أين جاءتني تلك الشجاعة لأتوقف عندما لوح لي هذا المسن بكلتي يديه؟ كنت أحاول أن أطمئن نفسي وأحدثها هل يا ترى هو إنس أم جان؟ وكيف لي الخلاص منه؟ قرأت كل الآيات القرآنية التي أحفظها جهرا وعن ظهر قلب ولم يتبق في جعبتي شيء.
جربت جميع الوسائل وقرأت أذكار الصباح والمساء ولا زال هذا الشيخ الطاعن جالسا في المقعد الخلفي ولم يتحرك قيد أنملة.
هداني تفكيري أن أختلس النظر إلى قدميه لأتأكد هل هي أقدام إنسان أم أقدام حمار؟ فالقصص الشعبية تقول إن من يمتلك قدمي حمار يكون جنيا! وبخت نفسي قائلا: هل من المعقول أن شخصا يمتلك شهادة الدكتوراه لازال يفكر في قصص خيالية؟ يا إلهي، كيف أفكر بهذه الطريقة؟
لقد أغنت القصص والحكايات الشعبية جهاز اللاوعي فمهما تقدمت في السن، والعلم، والمعرفة يظل عقلي الباطن مسيطرا على أفكاري خلال ثقافات وقيم تراكمية متوارثة.
مخلوقات أسطورية لا زالت تسيطر على وجداني وترسم ملامح الرعب في مخيلتي، تجدني أنساق إليها وأستحضرها في أوقات الخوف لأتذكر حكايات «أبو قرون، وحمارة القايلة، والسلعوة، والسِكني، والغول».
لقد أدرك المخططون في وقت متأخر أن هذه المفردات الثقافية مهما كانت أسطورية؛ إلا أنها تظل عنصرا مؤثرا في مسار التخطيط العمراني للمدن.
مهما كان المنتج العمراني متميزا فلن يكتب له النجاح إذا لم يكن هناك استيعاب شمولي لثقافة المجتمع بما فيها الفلكلور والثقافة الشعبية.
وهكذا، لا يمكن بناء مستوطنات بشرية بأنماط وأشكال مختلفة ثم نتوقع أن يعيش فيها الناس سعداء؟ علينا أن نفهم أولا لماذا نخطط؟ وكيف نخطط؟ ولمن نخطط؟ لا يمكن بناء مستوطنات بأنماط أو ألوان لطالما بقيت محطات شؤم في ذاكرة السكان، ولا يمكن بناء مساكن لا تستوعب ثقافة المجتمع.
في فترة السبعينيات الميلادية وضع الخبير العمراني دوكسيادس مخططا لمدينة الرياض، وتبنى المخطط النموذج الشبكي للأحياء السكنية بمساحات متقاربة.
كانت الأحياء السكنية الحديثة على مقربة من الأحياء التقليدية؛ ولكنها لم تستوح منها عناصر ثقافية لتعكسها على الأنماط الحديثة. لقد تعاملت الأحياء السكنية الحديثة مع المجتمع كنسيج متشابه في الخصائص الثقافية، فالشوارع متعامدة تتوزع على جانبيها بلوكات مستطيلة فمساكن صندوقية الشكل بارتدادات تفصلها عن الجوار.
لم يكن هناك تنوع وهوية بصرية واضحة للأحياء السكنية تعكس طبيعة الأسرة السعودية والثقافة المحلية وتحولات التحضر السريع الذي شهدته المملكة العربية السعودية في تلك الفترة.
نتيجة لذلك، لازال البعض حتى يومنا هذا يضع (الساتر) بارتفاع يتجاوز 2 متر للحفاظ على الخصوصية؛ لا زال البعض يفضل الذهاب إلى الاستراحة بديلا عن المنزل؛ لازال البعض يضع خيمة أو بيت شعر في فناء منزله ليجلس بها معظم الوقت تاركا مسكنه؛ لأنه لم يستوعب قيمة الثقافية.
الخبير الأجنبي يا سادة لم ولن يستوعب ثقافة المجتمع السعودي تماما وهو لا يلام لكونه خبيرا عمرانيا مستوردا من الخارج؛ لذلك، لا تتوقعوا منه الكثير؛ لأنه لم يتعايش في بحر ثقافتنا الشعبية، لم يقرأ القصائد النبطية، والأساطير، والمرويات، وسلوم العرب، وسوالف الليل، وحكايات البدو، ولم يكشف أسرار العلاقة بين الإبل وراعيها. باختصار، الخبير الأجنبي جاء ليقدم خدمة بأجر ثم يرحل.
waleed_zm@
الطريق كان مظلما وموحشا، والأمطار تهطل بغزارة ولم يتبين لي ملامح هذا الشخص، حيث كان يلف وجهه بالشماغ المبلل بماء المطر.
حاولت النظر إلى ملامحه، ولكني شعرت بالقشعريرة كلما وجهت نظري إليه.
لا أعرف من أين جاءتني تلك الشجاعة لأتوقف عندما لوح لي هذا المسن بكلتي يديه؟ كنت أحاول أن أطمئن نفسي وأحدثها هل يا ترى هو إنس أم جان؟ وكيف لي الخلاص منه؟ قرأت كل الآيات القرآنية التي أحفظها جهرا وعن ظهر قلب ولم يتبق في جعبتي شيء.
جربت جميع الوسائل وقرأت أذكار الصباح والمساء ولا زال هذا الشيخ الطاعن جالسا في المقعد الخلفي ولم يتحرك قيد أنملة.
هداني تفكيري أن أختلس النظر إلى قدميه لأتأكد هل هي أقدام إنسان أم أقدام حمار؟ فالقصص الشعبية تقول إن من يمتلك قدمي حمار يكون جنيا! وبخت نفسي قائلا: هل من المعقول أن شخصا يمتلك شهادة الدكتوراه لازال يفكر في قصص خيالية؟ يا إلهي، كيف أفكر بهذه الطريقة؟
لقد أغنت القصص والحكايات الشعبية جهاز اللاوعي فمهما تقدمت في السن، والعلم، والمعرفة يظل عقلي الباطن مسيطرا على أفكاري خلال ثقافات وقيم تراكمية متوارثة.
مخلوقات أسطورية لا زالت تسيطر على وجداني وترسم ملامح الرعب في مخيلتي، تجدني أنساق إليها وأستحضرها في أوقات الخوف لأتذكر حكايات «أبو قرون، وحمارة القايلة، والسلعوة، والسِكني، والغول».
لقد أدرك المخططون في وقت متأخر أن هذه المفردات الثقافية مهما كانت أسطورية؛ إلا أنها تظل عنصرا مؤثرا في مسار التخطيط العمراني للمدن.
مهما كان المنتج العمراني متميزا فلن يكتب له النجاح إذا لم يكن هناك استيعاب شمولي لثقافة المجتمع بما فيها الفلكلور والثقافة الشعبية.
وهكذا، لا يمكن بناء مستوطنات بشرية بأنماط وأشكال مختلفة ثم نتوقع أن يعيش فيها الناس سعداء؟ علينا أن نفهم أولا لماذا نخطط؟ وكيف نخطط؟ ولمن نخطط؟ لا يمكن بناء مستوطنات بأنماط أو ألوان لطالما بقيت محطات شؤم في ذاكرة السكان، ولا يمكن بناء مساكن لا تستوعب ثقافة المجتمع.
في فترة السبعينيات الميلادية وضع الخبير العمراني دوكسيادس مخططا لمدينة الرياض، وتبنى المخطط النموذج الشبكي للأحياء السكنية بمساحات متقاربة.
كانت الأحياء السكنية الحديثة على مقربة من الأحياء التقليدية؛ ولكنها لم تستوح منها عناصر ثقافية لتعكسها على الأنماط الحديثة. لقد تعاملت الأحياء السكنية الحديثة مع المجتمع كنسيج متشابه في الخصائص الثقافية، فالشوارع متعامدة تتوزع على جانبيها بلوكات مستطيلة فمساكن صندوقية الشكل بارتدادات تفصلها عن الجوار.
لم يكن هناك تنوع وهوية بصرية واضحة للأحياء السكنية تعكس طبيعة الأسرة السعودية والثقافة المحلية وتحولات التحضر السريع الذي شهدته المملكة العربية السعودية في تلك الفترة.
نتيجة لذلك، لازال البعض حتى يومنا هذا يضع (الساتر) بارتفاع يتجاوز 2 متر للحفاظ على الخصوصية؛ لا زال البعض يفضل الذهاب إلى الاستراحة بديلا عن المنزل؛ لازال البعض يضع خيمة أو بيت شعر في فناء منزله ليجلس بها معظم الوقت تاركا مسكنه؛ لأنه لم يستوعب قيمة الثقافية.
الخبير الأجنبي يا سادة لم ولن يستوعب ثقافة المجتمع السعودي تماما وهو لا يلام لكونه خبيرا عمرانيا مستوردا من الخارج؛ لذلك، لا تتوقعوا منه الكثير؛ لأنه لم يتعايش في بحر ثقافتنا الشعبية، لم يقرأ القصائد النبطية، والأساطير، والمرويات، وسلوم العرب، وسوالف الليل، وحكايات البدو، ولم يكشف أسرار العلاقة بين الإبل وراعيها. باختصار، الخبير الأجنبي جاء ليقدم خدمة بأجر ثم يرحل.
waleed_zm@