أفنان سعيد الشريف

الرفاهية المسمومة

الخميس - 07 ديسمبر 2023

Thu - 07 Dec 2023

قد يكون أكبر هموم الإنسان المعاصر "المكانة" والسعي إليها وأن تكون له بصمة وألا يرحل دون أن يترك أثرا، وأن يصفق له في الميدان وتتلى بذكره النسوان أن يشعر بأنه ذو قيمة وحسابه البنكي ينتهي بعشرات الأصفار، أن يشعر بأنه محفوف بالطموح وأن يسمو بجموح، يبحث عن الترف في زمن مليء بالرفاهية المسمومة، عن الجودة في زمن محقون بالاستهلاكية وبالشهرة في عصر يسألون عن أرقام متابعيك قبل اسمك.
كل ذلك أصبح هم الإنسان في وقتنا الحاضر وكأنه تجرد من إنسانيته ليصبح كائنا ماديا لا يبحث إلا عن الزيادة في كل مسلك يسلكه وامتلاك يقتنيه، أصبحت قيمة الإنسان تحدد بقدر أرصدته البنكية وشهرته وما الذي سيفيد به البشرية، ضاعت هنا معالم الإنسان الحقيقي في عصر الرأسمالية، وهنا سقط قناع الرضا؛ فالتطلع للسماء لا يصاحبه قناعة بما في الأرض، لم تعد القناعة ذلك الكنز الذي كنا نبحث عنه إنما السوء الذي نتجنبه وكأن القنوع شخص فاشل قرر الاستراحة وترك العالم تلهث خلف المخلفات المادية، ذلك القنوع أصبح مشؤوما وكأنه داء يهدد الإنسانية بل إنما هو الإنسان بذاته.
القناعة لا تتعارض مع الطموح إن كانت مكللة بالراحة وملبوسة باليقين بالله، أما حين يكون الطموح رداء من نار يلتهم سعادتك ويشعرك بالسوء من نفسك ويحركك خلف ملذات لا طائل منها سوى البحث عن المكانة هنا الفخ الذي وقوعه مدو وانكساره مؤلم والنجاة منها..:( حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ). سورة البقرة (آية 179).