نجلاء الجعوري

التاريخ والواقع

الخميس - 07 ديسمبر 2023

Thu - 07 Dec 2023

منذ بدء الخليقة وحتى يومنا الحاضر نشأت العديد من الحضارات، وحكمت مجموعة من الأعراق، ودارت الكثير من النزاعات والحروب، وتنوعت الثقافات، واختلفت القناعات، فقد يرى البعض بأن التاريخ ما هو إلا حكايات قديمة، وأساطير ذميمة، وروايات ليس لها قيمة، والحقيقة أن ما يدعيه أولئك ماهي إلا ادعاءات سفيهة.
ولاريب في أن التاريخ وعاء من العلوم ينتقي منه القارئ ما يلائمه، ويثير فضوله، ويخدم مصالحه، ويقوي حجته، فقد أسهم التاريخ في تفسير القرآن، وبيان بعض الأحكام، وذكر أسباب النزول، كما ارتبط ارتباطا وثيقا بالفن، ووسع مدارك الطبيب، ولربما دل القاضي على تسوية الخلافات، وجنب الفطن مواضع الفتنة، واستقى منه الحكيم العبر والأمثال.. فلولا التاريخ لطمرت الآثار، واندثرت الحضارات، وتخلف الإنسان، وضاعت الهوية، والتبست الحقيقة، وبفضل التاريخ تحولت البقاع المهجورة إلى وجهات مقصودة.
كما علمنا التاريخ الاعتزاز بالإسلام وليس بالعروبة، والاعتبار بالضحية قبل الوقوع في البلية، وتفادي الأخطار بأقل الأضرار، وإدارة الأمور بمحاكاة جهابذة العصور، فمن خلاله يستطيع القارئ توضيح ما يكتنفه الغموض، وتبرير ما يعتريه الشك، فهو الدليل للضال والمرجع للأجيال.
وفي هذا الشأن وردت العديد من النصوص التي سطر كلماتها مؤرخون أفذاذ وصفوا علم التاريخ وأشادوا بأهميته منهم.
المسعودي حيث قال "التاريخ علم يستمتع به العالم والجاهل، ويستعذب موقعه الأحمق والعاقل، فكل غريبة منه تعرف، وكل أعجوبة منه تستطرف، ومكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس، وآداب سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس، يجمع لك الأول والآخر، والناقص والوافر، والبادي والحاضر، والموجود والغابر...".
وذكر لسان الدين الخطيب:
وبعد فالتاريخ والأخبار
فيه لنفس العاقل اعتبار
وفيه للمستبصر استبصار
كيف أتى القوم وكيف صاروا
يجري على الحاضر حكم الغائب
فيثبت الحق بسهم صائب
وينظر الدنيا بعين النبل
ويترك الجهل لأهل الجهل