بسبب التعب الذي يرتاح في محطات جسدها.. ارتمت على المقعد في صالة المنزل بعد أن شربت كأسا من عصير الليمون المثلج فقد أرهقتها متابعة تجهيزات البيت لحفلة المساء، بدأت تتنفس بعمق في محاولة للإبقاء على أكثر كمية من الأكسجين في شرايينها، أغمضت عينيها لتخطف قيلولة سريعة قبل الوقوف من جديد لتكمل ما تبقى، هدوء تام لدقيقتين.. وقع أقدام تقترب منها بثبات.. أكثر فأكثر.. حتى توقفت إلى يمينها.. أحدهم يتأملها تشعر بأنفاسه.. فكتمت هي أنفاسها.. رائحة كلور فائح وصمت غريب الاقتراب أصبح لصيقا.. خطوتين... صوت تنهيدة.. بعدها سمعتها تقول: الحمد لله ماتت الشريرة!!
شهقت من الدهشة بصوت عال.. فصرخت حفيدتها وركضت هاربة «بروب» الاستحمام.. كانت تظنها قد ماتت! تلك «المفعوصة» نعتت جدتها للتو بالشريرة، والأشرار سيموتون في النهاية، الأسباب كانت كالتالي: رأتها تجلس على طرف المسبح وقد أمضت قرابة الساعة ترفض النزول إلى الماء مرة أخرى، والعمال يملؤون منطقة الحديقة لتجهيز مكان العشاء، لم تكن تريد لأحد أن يتأمل جسد حفيدتها المكتنز ولا أن يغتال براءتها بنظراته؛ فطلبت منها أن تدخل فورا لتستحم وتبدل ملابسها، وبرد رافض كتفت يديها قائلة «لا.. لن أخرج».. ابتسمت جدتها بطريقتها الخاصة، هناك تربية بالابتسام.. نعم.. ابتسامتين مختلفتين، واحدة للرد الصحيح، وواحدة للرد الخاطئ، الخطأ والصواب يعرفان من تباين الابتسامتين خاصة عندما لا ترضخ شخصية الطفل بسهولة.
المهم وبختها الجدة بجدية وهددتها إن تأخرت عن 5 دقائق فستحرم من السباحة لمدة شهر، تركت الغيمات تعبر عينيها لكنها تعلم أنها بدون مطر.
هذه الحفيدة، ذات الستة أعوام، تعتبر جدتها من ملكات الشر في أفلام ديزني.. ربما «مالفيسينت» في فيلم الجميلة النائمة أو «غريمهيلد» الملكة الشريرة في فيلم بياض الثلج، طارت القيلولة الافتراضية طبعا ونهضت لتلحق بحفيدتها تساعدها على الاستحمام؛ فلا يجب أن تترك كل الأشياء للمربيات، دلفت بهدوء لتراها بالفعل واقفة تحت الماء المنهمر، اقتربت لتضع الصابون على رأسها ثم قالت لها: «شكرا لأنك نفذت ما طلبت منك».. فهزت أكتافها نكرانا، كانت لغة الجسد إشارة إلى وجوب تغيير لغة الحوار فلا مزيد من التوبيخ، الحوار لا بد أن يكون بين استدراج لما سيكون أو استرجاع للموقف، انتهى الاستحمام، فألبستها ثم سألتها أثناء جلسة تسريح الشعر الطويل: «أتعرفين لماذا طلبت منك الدخول إلى البيت؟» لم تسمع جوابا أيضا.. فقالت: «أعلم أنك غاضبة، لكن هناك أشياء يا جدتي يجب أن نستجيب لها ثم نفهم لماذا، خاصة عندما تطلبها جدتك، سأتركك المرة القادمة لتسبحي كما تشائين.. لكن في وجود عمال، ونحن نستعد لعشاء المساء.. لا داعي لجلوسك ووجودك على المسبح».
هزت الصغيرة رأسها راضية.. رضا المضض.. لم تشأ الجدة أن تعطي الأمر أكبر من حجمه.. لا تهوين ولا تهويل.. هل يمكن أن نقنع طفلا بلا تعسف ونحن نحكم على المواقف بأنها غير مريحة بسبب خبرات سابقة وصورة مطبوعة في أذهاننا؟
الطفل كائن عقلاني منذ ولادته، إلا أن عقلانيته تختلف في نقطة جوهرية وهي تطور قدرته على التواصل والتعبير والنمو، فهو قادر على التفكير والرغبة والفعل.. المهم أن تجعله يفكر بهذه العقلانية ليرغب ويفعل، وأحيانا قد يفعل ما لا يرغب أيضا بعقلانية إن اقتنع، أما بالنسبة لتنشئة الفتاة فتتحمل التربية الأسرية مسؤولية كبيرة في صناعة فتاة أبية غير خانعة تعي كيف تحافظ على نفسها وتحمي حوزتها في ظل قيم وأخلاق حميدة.. الحياء يقع في أعلى هرم القيم والسلوكيات الأنثوية الحميدة.
التربية الوالدية هي أن تكون أنموذجا فاخرا يقتدى به؛ فلا يعقل أن تدخن وتأمر أولادك بعدم التدخين، التربية أن تغرس أخلاقا كالشجاعة فلا يخشى ابنك غضبك فيصمت خوفا؛ لأنه سيعاقب في كل الأحوال، أن يحكي لك لأنه يثق في محبتك وعدالتك فتجده مستعدا لأي عقاب بصدر رحب، القسوة تغرس في أولادنا بذور اللامبالاة والسلبية، التربية أن ينشأ ولدك على عزة النفس فلا تحرمه من الضروريات وتجعل الكماليات اختيارية؛ في المأكل والملبس والمناشط دون إفساد وإغراق، التربية ألا تفرق بين بنت وولد؛ فينشأ الفتى على احترام الأنثى ورعايتها، وتنشأ الأنثى على التعامل معه كشريك وليس كتابع خانع، الغاية الأسمى هي أن تربي جيلا يخاف الله أكثر مما يخاف من غضب والديه أو كاميرات المراقبة في شوارع المدينة، أن تربي أولادا أسوياء منشغلين بمعالي الأمور وليس بالتسكع في الأسواق بلا أهداف في الحياة.
أعتقد أننا كأمهات أو جدات نبقى أشرارا في الظن إلى أن يكبر أولادنا وأحفادنا لتمر بهم نفس المواقف؛ فتخرج التصرفات تلقائيا من جعبة اللاوعي؛ لأنها غرست سحيقا منذ الصغر، ربما غرست بالكلمة الطيبة، الثقة، الرفق واللين في الأسلوب، أو ربما ببعض التوبيخ أو التهديد، هناك مشروعية للتأديب بالتوبيخ، وسياسة العصا والجزرة خليط من الثواب والعقاب للحث على السلوك المرغوب، وقد خاطب ربنا الطبيعة البشرية في كتابه الحكيم عبر الثواب بالجنة أو العقاب بالنار.
ربطت شعر حفيدتها، وضعت بعض المسك تحت أذنيها، قبلتها على الجبين، ثم طلبت منها أن تذهب إلى أبعد طرف في الغرفة وعندما تعد إلى (3) عليها أن تركض بأسرع ما لديها نحو أحضانها (الشريرة).. فالبطارية فارغة منذ الصباح.
smileofswords@
شهقت من الدهشة بصوت عال.. فصرخت حفيدتها وركضت هاربة «بروب» الاستحمام.. كانت تظنها قد ماتت! تلك «المفعوصة» نعتت جدتها للتو بالشريرة، والأشرار سيموتون في النهاية، الأسباب كانت كالتالي: رأتها تجلس على طرف المسبح وقد أمضت قرابة الساعة ترفض النزول إلى الماء مرة أخرى، والعمال يملؤون منطقة الحديقة لتجهيز مكان العشاء، لم تكن تريد لأحد أن يتأمل جسد حفيدتها المكتنز ولا أن يغتال براءتها بنظراته؛ فطلبت منها أن تدخل فورا لتستحم وتبدل ملابسها، وبرد رافض كتفت يديها قائلة «لا.. لن أخرج».. ابتسمت جدتها بطريقتها الخاصة، هناك تربية بالابتسام.. نعم.. ابتسامتين مختلفتين، واحدة للرد الصحيح، وواحدة للرد الخاطئ، الخطأ والصواب يعرفان من تباين الابتسامتين خاصة عندما لا ترضخ شخصية الطفل بسهولة.
المهم وبختها الجدة بجدية وهددتها إن تأخرت عن 5 دقائق فستحرم من السباحة لمدة شهر، تركت الغيمات تعبر عينيها لكنها تعلم أنها بدون مطر.
هذه الحفيدة، ذات الستة أعوام، تعتبر جدتها من ملكات الشر في أفلام ديزني.. ربما «مالفيسينت» في فيلم الجميلة النائمة أو «غريمهيلد» الملكة الشريرة في فيلم بياض الثلج، طارت القيلولة الافتراضية طبعا ونهضت لتلحق بحفيدتها تساعدها على الاستحمام؛ فلا يجب أن تترك كل الأشياء للمربيات، دلفت بهدوء لتراها بالفعل واقفة تحت الماء المنهمر، اقتربت لتضع الصابون على رأسها ثم قالت لها: «شكرا لأنك نفذت ما طلبت منك».. فهزت أكتافها نكرانا، كانت لغة الجسد إشارة إلى وجوب تغيير لغة الحوار فلا مزيد من التوبيخ، الحوار لا بد أن يكون بين استدراج لما سيكون أو استرجاع للموقف، انتهى الاستحمام، فألبستها ثم سألتها أثناء جلسة تسريح الشعر الطويل: «أتعرفين لماذا طلبت منك الدخول إلى البيت؟» لم تسمع جوابا أيضا.. فقالت: «أعلم أنك غاضبة، لكن هناك أشياء يا جدتي يجب أن نستجيب لها ثم نفهم لماذا، خاصة عندما تطلبها جدتك، سأتركك المرة القادمة لتسبحي كما تشائين.. لكن في وجود عمال، ونحن نستعد لعشاء المساء.. لا داعي لجلوسك ووجودك على المسبح».
هزت الصغيرة رأسها راضية.. رضا المضض.. لم تشأ الجدة أن تعطي الأمر أكبر من حجمه.. لا تهوين ولا تهويل.. هل يمكن أن نقنع طفلا بلا تعسف ونحن نحكم على المواقف بأنها غير مريحة بسبب خبرات سابقة وصورة مطبوعة في أذهاننا؟
الطفل كائن عقلاني منذ ولادته، إلا أن عقلانيته تختلف في نقطة جوهرية وهي تطور قدرته على التواصل والتعبير والنمو، فهو قادر على التفكير والرغبة والفعل.. المهم أن تجعله يفكر بهذه العقلانية ليرغب ويفعل، وأحيانا قد يفعل ما لا يرغب أيضا بعقلانية إن اقتنع، أما بالنسبة لتنشئة الفتاة فتتحمل التربية الأسرية مسؤولية كبيرة في صناعة فتاة أبية غير خانعة تعي كيف تحافظ على نفسها وتحمي حوزتها في ظل قيم وأخلاق حميدة.. الحياء يقع في أعلى هرم القيم والسلوكيات الأنثوية الحميدة.
التربية الوالدية هي أن تكون أنموذجا فاخرا يقتدى به؛ فلا يعقل أن تدخن وتأمر أولادك بعدم التدخين، التربية أن تغرس أخلاقا كالشجاعة فلا يخشى ابنك غضبك فيصمت خوفا؛ لأنه سيعاقب في كل الأحوال، أن يحكي لك لأنه يثق في محبتك وعدالتك فتجده مستعدا لأي عقاب بصدر رحب، القسوة تغرس في أولادنا بذور اللامبالاة والسلبية، التربية أن ينشأ ولدك على عزة النفس فلا تحرمه من الضروريات وتجعل الكماليات اختيارية؛ في المأكل والملبس والمناشط دون إفساد وإغراق، التربية ألا تفرق بين بنت وولد؛ فينشأ الفتى على احترام الأنثى ورعايتها، وتنشأ الأنثى على التعامل معه كشريك وليس كتابع خانع، الغاية الأسمى هي أن تربي جيلا يخاف الله أكثر مما يخاف من غضب والديه أو كاميرات المراقبة في شوارع المدينة، أن تربي أولادا أسوياء منشغلين بمعالي الأمور وليس بالتسكع في الأسواق بلا أهداف في الحياة.
أعتقد أننا كأمهات أو جدات نبقى أشرارا في الظن إلى أن يكبر أولادنا وأحفادنا لتمر بهم نفس المواقف؛ فتخرج التصرفات تلقائيا من جعبة اللاوعي؛ لأنها غرست سحيقا منذ الصغر، ربما غرست بالكلمة الطيبة، الثقة، الرفق واللين في الأسلوب، أو ربما ببعض التوبيخ أو التهديد، هناك مشروعية للتأديب بالتوبيخ، وسياسة العصا والجزرة خليط من الثواب والعقاب للحث على السلوك المرغوب، وقد خاطب ربنا الطبيعة البشرية في كتابه الحكيم عبر الثواب بالجنة أو العقاب بالنار.
ربطت شعر حفيدتها، وضعت بعض المسك تحت أذنيها، قبلتها على الجبين، ثم طلبت منها أن تذهب إلى أبعد طرف في الغرفة وعندما تعد إلى (3) عليها أن تركض بأسرع ما لديها نحو أحضانها (الشريرة).. فالبطارية فارغة منذ الصباح.
smileofswords@