خالد العويجان

حفلة الدم والشتاء الملعون

الثلاثاء - 05 ديسمبر 2023

Tue - 05 Dec 2023

في قادم الأيام؛ سأرتدي فروتي. أحتاج للدفء وأنا أشاهد الدخان المتصاعد، والعناوين الصارخة، والأخبار العاجلة القادمة من الشرق والغرب، الحفلة يبدو أنها لا تزال صاخبة، والراقصات لا يزلن بانتظار من يحمل رزم المال، يعولن على حقهن من النقطة. أعتى الراقصات في تل أبيب، وحامل الشنطة المليئة بالعملة الخضراء في واشنطن.

ملعونة تلك الرزم، تؤدي لكل شيء، للفرح والمرح، والقتل أيضا.

قيمة الفنان الذي يمكن أن يحيي ليلة ما، في عاصمة ما، كقيمة صاروخ انشطاري أو عنقودي؛ يحمله طيار مجنون، ليسقطه على رؤوس الأطفال، والنساء، والشيوخ.

أشعر بيأس كثير من متابعة الأخبار، لكني أؤمن بأن هذا قدري، أن أكون صحفيا تعيسا، يعيش على حتمية نزف الدماء، وغبار الخنادق، وهدير المقاتلات، منذ عقود، والأخبار تقودنا لهذا الاتجاه، ولذاك. وبعيدا عن هذه الرؤية السوداوية، ينتابني بعض الشيء شعور من الاستقرار لا الفرح؛ حين أعلم أن زعيما كالقيصر فلاديمير بوتين، سيحط رحالة بعد أيام في الرياض، ربما هي الأسئلة التي تنقل أي صحفي من حالة البؤس إلى البحث عن الحقيقة، أو ما يقاربها.

لذا سأفكر بصوت عال، وأقول ماذا يريد بوتين من الرياض؟ أعتقد أنه يريد كل شيء. كيف كل شيء؟ يريد استكمال الخط النفطي السعودي الروسي، وضبط أسواق العالم؛ وكذلك مسيرة أوبك، وأوبك بلس. ماذا بعد؟

يسعى الزعيم الروسي إلى اكتساب صورة من صور الانضباط السياسي السعودي، لا سيما وأنه في أعقاب الحرب على أوكرانيا، عمدت دوائر غربية رسمية وإعلامية إلى إقناع الرأي العام الغربي بشخصية الدب الروسي المتوحش، بمعنى أنه يريد إزاحة بعض الصور التي استهدفت «شيطنة القيصر».

وماذا يريد أيضا؟ أعتقد أن ضمان وجود ورقة الوسيط السعودي السياسي بين روسيا وأوكرانيا، يمكن احتسابها ضمن المكاسب التي يبحث عنها الرئيس الروسي، للجوء لها ربما مع الوقت، حال الحاجة.

وهذا حتما لن يتم إلا بموجب تفاهمات مع المملكة، بحسب ما تقتضيه العلاقات التاريخية، والمصداقية المباشرة بين الرياض وموسكو.

فروسيا الاتحادية المناسبة؛ بحسب قناعة الكثير، بما في ذلك صانع القرار السعودي، ليست كالولايات المتحدة الأمريكية، أو دول أوروبا، من حيث الالتزام بالاتفاقات والتعاهدات. أقصد أن موسكو معهود عنها أنها أكثر وفاء، بالكلمة والالتزام، من بعض العواصم؛ التي تتشدق بالتحالف مع المملكة، وسرعان ما تنقلب على ذلك.

وهذا ليس بموضوعي هذا النهار.

قد يقول قائل، أن السعودية أسهمت في دحر روسيا من أفغانستان التي خمدت نيرانها نهاية الثمانينيات الميلادية.

وقد يحاججني أحدهم، بأن موسكو اختلفت مع الرياض في الملف السوري، بعد أن زجت بقواتها لمساندة الرئيس السوري بشار الأسد.
هذا صحيح، لكن السياسة غير ثابته؛ هذا أولا.

ثانيا، فحقبة الحرب الأفغانية ذهبت في رماد الاتحاد السوفييتي. وفيما يرتبط بالموقف مع دمشق، فالموقف الروسي من هذا الملف مفهوم أنه يقوم على التزامات روسية سورية تاريخية.

ومن ثم فقد جرت تفاهمات سعودية روسية حول ذلك، وأجمع الطرفان أن المرحلة تستدعي مواجهة الإرهاب، أيا كان سنيا أو شيعيا، الذي يجد من الأراضي السورية مرتعا له.

أعود لزيارة ابن جهاز الاستخبارات الروسية العتيد الـ»كي جي بي»؛ لعاصمة بلادي العظيمة، وأتصور أن له أهداف أخرى «مبطنة»، نابعة من رغبة «القيصر» في مناكفة خصومة، كواشنطن، وعديد من عواصم أوروبا. كيف؟ من خلال فهم شخصية السياسي الروسي، وتحديدا فلاديمير بوتين، يمكن اكتشاف أن الرجل يسعى لإغاظة مناهضية التقليديين، بالتقارب مع المملكة، التي تعتبر حليفا تاريخيا لتلك العواصم.

وهذا شأنه بكل الأحوال، لكن فهم ما يدور يفترض النظر لزوايا غامضة، أو قد تكون مظلمة.

في حقيقة الأمر؛ لا يهمني تناحر المتناحرين، أو تقاتل الخصوم، وعلقوا جثثهم على أبواب مدنهم العريقة، لا يعني لي ذلك، إنما، ما يلزمني كيف يتسابق المتسابقون، على وطني الكبير، الذي بالضرورة، تتحول له بوصلة زعماء الأرض، لسبب واحد فقط، لأن الحلول، في أغلبها، وأكثر حكمة، في الرياض.

إنه مشهد يمكن له أن يخرجني من حالة الكآبة التي يفترضها علي العمل في الإعلام، أنا وغيري من الإعلاميين والمراقبين والمهتمين.

إن العالم الحر؛ الذي كان عنوانا كبيرا للمخادعين من الساسة الغرب، بات مكشوفا لدى القاصي والداني، وهذا ما يجسده رفض وشجب النرجسية السياسية الغربية، التي صمتت وانصرفت عن حمامات الدم التي تفوح رائحتها على أقل تقدير في المنطقة.

فالمجتمعات باتت أكثر ذكاء مما سبق، وهذا ما فرضه ارتباطها في الإطار الخارجي، الذي تحول في نهاية الأمر إلى سهام جاهزة لأن تسلط على صناع السياسة التي لا تراعي الإنسان، وتضعه مجرد رقم، في هذا الكون الفسيح.

صحيح، لقد اختلط الحابل بالنابل في هذا المقال، على اعتبار أنه بدأ بحالة كبرى من اليأس، واللاوعي. أتمنى أن يعذرني أخي الأكبر رئيس التحرير موفق النويصر.

والحبيب فلاديمير بوتين. وأملي كبير بأن يشاركاني الدعاء بأن تتوقف حفلة الدم.. ويستمر الشتاء الملعون، إلى مالا نهاية.!