زيد الفضيل

انتصار الصورة في طوفان الأقصى

السبت - 02 ديسمبر 2023

Sat - 02 Dec 2023

في معركة طوفان الأقصى، كان للصورة العفوية والمباشرة أبلغ الأثر على الشارع الغربي تحديدا، ذلك الشارع الذي كان مغيبا ومسيطَرا عليه من الإعلام الصهيوني، إدراكا منه بأهمية الصورة والخبر ودورهما في قبول المجتمع للسردية التي يتم الترويج لها من قبلهم.

تلك السردية التي تمكنت من اختزال السامية في ذواتهم، رغم تقاسم العرب معهم مفهوم السامية دلالة ومصطلحا، وهي السردية ذاتها التي أخفت قبح فعالهم، وألبست أيديهم قفازا أبيض وهم يذبحون الأطفال والنساء والرجال العزل بوحشية ودم بارد.

غير أن كل ذلك قد تغير مع أحداث وتوالي جرائم الإبادة البشعة، التي قام بها الجيش الإسرائيلي بأمر من قيادته العسكرية والسياسية، وتأييد مفرط من كثير من اليهود الإسرائيليين، ودعم كلي من الصهيونية اليهودية في إسرائيل وكل أنحاء العالم.

في هذه المعركة، كان بالإمكان أن تحدث كل تلك الجرائم ولا أحد يعرف بها، فمفاصل الإعلام التقليدي في الغرب بيدهم، وهو ما تراءى لنا منذ الوهلة الأولى، إذ سقطت كبرى الشبكات الإعلامية في وحل الصهيونية، وانبرى كثير من أبرز الإعلاميين للدفاع عن إسرائيل وتضخيم ما حدث في السابع من أكتوبر، وصار شغلهم الشاغل أن يحصلوا على إدانة للمقاومة وحسب، متغافلين عما تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية من جرائم بشعة بحق المدنيين، وكأن الأمر لا يعنيهم، فالأوامر تنص على تجييش الشارع لصالح إسرائيل دون النظر إلى ما ترتكبه من جرائم.

كما تم حشد كل القوى السياسية لصالح الكيان الإسرائيلي، فتقاطرت طائرات رؤساء الغرب ابتداء بوصول الرئيس الأمريكي بايدن، ثم كل رؤساء أوروبا ووزراء خارجيتهم ودفاعهم والقادة العسكريين، معربين عن دعمهم الكامل لإسرائيل، ومؤيدين لما تقوم وستقوم به من أعمال عسكرية دون النظر إلى مشروعيتها القانونية والإنسانية.

كل ذلك كان، ورأيناه، وتصورت الآلة الصهيونية أن ساعة انتهاء القضية الفلسطينية قد حانت، وجاء الوقت لتصفية شعبها دون أن يرمش جفن أو يصيح صائح، فلا أحد سينتبه، ولا أحد سيسمع.

غير أن الإعلام المجتمعي كان هو الجندي الأول في هذه المجزرة، وكانت الصورة الإنسانية المباشرة هي المقاوم الأول في معركة طوفان الأقصى، تلك الصورة الصادقة والحية التي أظهرت ما يعانيه الأطفال والنساء والرجال العزل، ونقلت بكاءهم وما عاشوه من صدمة فظيعة، وتضرعهم إلى الله دون أي مونتاج، فكان أن خرج الشارع الغربي ألوفا مؤلفة منددين ورافضين وداعمين للقضية الفلسطينية، بل وشغوفين بمعرفة من أولئك؟ ما قضيتهم؟ لماذا لا يزالون على حالهم؟ كيف صمت العالم أمام آلامهم ومعاناتهم؟، وأشياء كثيرة حرصت الآلة الإعلامية الصهيونية على إخفائها طوال 75 عاما، وأجزم أن الآلة الصهيونية ـ على الصعيد السياسي والإعلامي ـ قد وطنت نفسها على ألا يرى ويسمع المواطن الغربي إلا ما تريده هي، وذلك من طبائع الاستبداد التي تعيشها الأنظمة الغربية حاليا حتى وإن تزينت بأجمل الألفاظ، وأخفت دماء الأبرياء بقفازات أنيقة.

إذن، هي الصورة العفوية الصادقة، التي حركت الساكن وغيرت موازين المعادلة، وهو الإعلام المجتمعي الذي ترك أثره في العالم، وحرك النفوس الشجية التي ما استطاعت أن تسكت، وانهمرت دموعها بغير إرادتها، بل وصار كثير من أولئك شغوفين بمعرفة سبب صمود الصغار والمدنيين العزل، وما أعظم وأقوى كلمة (الحمد لله) حين تخرج من صدر لم يعد له سوى الرضا، وما أشد تأثيرها على كل نفس في الوجود، ولعمري فذلك سر من أسرار انتصار طوفان الأقصى.

أخيرا، أوجه رسالتي للقيادة الفلسطينية، ومن خلفهم وزراء الإعلام العرب وكل الشرفاء في العالم، وأقول لهم: إن كل الخطب السياسية، وكل البيانات المنددة، بل وكل أعمال الكفاح المسلح والنضال المادي والمعنوي، الذي قام به الفلسطينيون والعرب منذ ابتداء الاحتلال وحتى طوفان الأقصى، لم يكن له أي تأثير على الشارع الغربي والعالمي، وهو الشارع الذي يهتم له السياسيون وأصحاب المصالح، والذي وجهه الإسرائيلي لمصلحته طوال عقود عبر سيطرته على الآلة الإعلامية التقليدية، وأنا على ثقة بأن الكيان المحتل يُعد الآن خطة جديدة للسيطرة على مفاصل الإعلام الجديد، وما زيارة إيلون ماسك الذي صمد في وجه الغول الإسرائيلي فترة من الزمن، إلا لإحكام السيطرة على منابر الإعلام الجديد، فهل يدرك الفلسطينيون والعرب ذلك؟ وهل نملك برنامجا مهنيا لمواجهة هذا السجن الإعلامي المراد إنشاؤه؟.

هي صرخة أبثها لكل ضمير ومسؤول عربي ابتداء وانتهاء.

zash113@