أحمد بني قيس

الإغاثة السعودية لغزة.. تسجيل موقف أم نهج راسخ؟

الأربعاء - 29 نوفمبر 2023

Wed - 29 Nov 2023


شهد عام 1917م حدثا تاريخيا جعل الواقع العربي يعيش حقبة غيرت وضعه جذريا بمختلف تشكلاته؛ حيث تم في ذلك العام إقرار ما سمي بوعد بلفور الذي منح القومية اليهودية الحق في احتلال فلسطين واعتبارها وطنا حصريا لليهود الأمر الذي جعل نصرة القضية الفلسطينية تتصدر أولويات جميع القيادات السعودية المتعاقبة منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود (طيب الله ثراه) وحتى يومنا هذا الذي يقود فيه السعودية مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله) وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان (رعاه الله).

والتاريخ يؤكد بأن السعودية لم تتخلف نهائيا عن المشاركة في كافة المساعي العربية للتعامل مع تلك المظلمة التاريخية بما فيها المساعي العسكرية والتي تشهد بها أرض فلسطين؛ حيث استشهد على ثراها جنود سعوديون كثر أثناء اندلاع تلك الحروب العربية ضد إسرائيل كما أن السعودية قامت باتخاذ قرار مصيري في حينه لنصرة فلسطين على يد الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية تمثل في إيقاف تصدير النفط دون أن تكترث القيادة السعودية بأي تداعيات قد يحدثها ذلك.

إلا أن الله كتب لتلك المحاولات المسلحة وغير المسلحة ألا تحقق المراد منها وذلك للعديد من الأسباب التي لا يتسع المجال لذكر جميعها، ولكن أهم سبب فيها هو الدعم الغربي الكبير والموحد لحماية الكيان الصهيوني الذي أوجدته بريطانيا بمباركة منهم بكل السبل المشروعة وغير المشروعة في ظل إمكانات عسكرية عربية تفتقر للقدرة على مواجهة الآلة العسكرية الغربية الضخمة التي تتفوق عليهم في العدة والعتاد ورغم وجود هذا العائق العسكري إلا أنه لم يمنع القيادات السعودية المتعاقبة من الاستمرار في دعم قضية فلسطين وقياداتها سياسيا وماليا.

وتمثل الشق السياسي السعودي تجاه القضية الفلسطينية في إظهار دعمها الكامل لحق الفلسطينيين الذي كفلته لهم كافة المعاهدات والمواثيق الدولية في كافة المحافل الدولية والإقليمية التي شاركت فيها والتاريخ يشهد بأن السعودية قدمت الكثير من الحلول السياسية لتحقيق على الأقل ولو الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية وكان آخر تلك الحلول إطلاق مبادرة سعودية (أصبحت لاحقا عربية) تنص على قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية إضافة إلى غيرها من أوجه الدعم السياسي الذي كان قاعدته الأساس عدم اللجوء للشعارات والمزايدات ومجاراة الدول والحركات التي تعتمد على هكذا نهج خاصة بعد أن اتضح بأن تلك الشعارات لا تنوي دولها وحركاتها تحويلها إلى أفعال ملموسة على الأرض حتى تؤكد مصداقيتها في حين نجد أن السعودية سلكت مسلك الأفعال الثابتة والراسخة البعيدة كل البعد عن الاكتفاء بالأقوال والعنتريات.

أما الشق المالي السعودي فتمثل في تسخير السعودية لكافة إمكاناتها المالية والاقتصادية في سبيل سد أي عجز فلسطيني قد يحدث كما أنها أسهمت في تلبية كافة الاحتياجات الفلسطينية التي بإمكان السعودية تلبيتها وأيضا لم تتأخر أبدا عن دعم أي قرار عربي مالي يتم تبنيه بشكل جماعي للوقوف مع أشقائنا الفلسطينيين ولعل أبسط مظاهر الدعم المالي السعودي المنفرد للفلسطينيين يكمن في تكفل القيادات السعودية بجميع المتطلبات المالية التي تحتاجها السلطة الفلسطينية بمختلف أشكالها وصورها وهو نهج لايزال مستمرا حتى تاريخه.

ومن دلائل الاستمرار السعودي في تقديم الدعم والمساعدة لأشقائنا الفلسطينيين قيام السعودية مؤخرا بتسيير جسر إغاثي سعودي جوي وبحري لا يجاريه أي جهد عربي أو دولي لنجدة أهلنا في قطاع غزة نتيجة تعرضهم الأيام الماضية لحرب همجية ودموية غير مسبوقة من قبل جيش الاحتلال الصهيوني والتي أسفرت أحداثها حتى الآن عن استشهاد ما يفوق 14 ألف فلسطيني مدني بينهم ما يزيد عن 5 آلاف طفل وقرابة 4 آلاف امرأة والأرقام قابلة للزيادة إذا استمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد انتهاء الهدنة المتفق عليها حاليا بين إسرائيل وحماس.

المؤسف في شأن موقف السعودية من القضية الفلسطينية أن السعودية تعرضت وتتعرض لحملات تشويه ليس فقط من شريحة واسعة عربية وإنما حتى من بعض الفلسطينيين دون وجود أي مبرر لذلك يمكن أن يشرعن وجود مثل هذه الحملات الأمر الذي جعل السعوديين يتعجبون ويحتارون في سبب هذا العداء الموجه نحوهم رغم أن كل مواقفهم المساندة لأشقائهم الفلسطينيين والعرب مواقف مشرفة ويشهد بها واقع هذه الدول نفسه.

الشاهد من كل ما سبق ذكره تأكيد أن الموقف السعودي الصادق والمخلص تجاه القضية الفلسطينية ظل ثابتا وراسخا طوال تاريخ هذه القضية رغم كل السلبيات التي واجهتها القيادات السعودية نتيجة اتخاذها لهذا الموقف والتي من بينها تعرضها (كما أسلفت) لإساءات عديدة من طرف الكثير من العرب وبعض الفلسطينيين إلا أن هذه الإساءات لم تجعل السعودية وقياداتها تتراجع عن دعم القضية الفلسطينية وذلك لإيمانها العميق بعدالة هذه القضية وبالحق الفلسطيني المشروع في أن يحصل أصحابه على حقوقهم المعترف بها إنسانيا وأخلاقيا ودوليا وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى حلم وحكمة القيادات السعودية ومدى تغليبها للعقل بدلا من العواطف خاصة في مثل هذه القضايا المصيرية.



ahmedbanigais@