خالد العويجان

جنرالات الحرب وقراصنة الإعلام

الثلاثاء - 28 نوفمبر 2023

Tue - 28 Nov 2023


كل الحروب تعيسة، لا يوجد هناك حرب حميدة وأخرى عكسها، جميعها مؤلم، بالضحايا والقصص والعناوين الدموية الناجمة عنها، حتى تلك التي تعتبر من باب الدفاع عن النفس، لها ثمن، ولها تبريرات أيضا، ولها مريدوها وزبائنها وزبانيتها.

حسن نصر الله على سبيل المثال العميل البارز للحروب في المنطقة، والحوثي في اليمن كذلك، زعماء ميليشيات الإسلام الشيعي السياسي في العراق؛ في المستنقع نفسه، وغيرهم كثر؛ لكن في فمي ماء.

لم يحن الوقت بعد لكشف المستور، لكنه يوما ما سيأتي.

وللحروب زعماء تقودهم شهوتهم للقتل.

صدام حسين كان كذلك، ذهب ضحية تلك الشهوة المارقة، والقذافي «ملك ملوك أفريقيا»؛ على رغم أنه كان يجيد رفع سقف الاستفزازات؛ إلا أنه يدرك التوقيت الذي عليه التراجع فيه، من باب الجبن وفقدان الفروسية، وعلي عبدالله صالح كذلك، قال ذات يوم «إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين»، وكان المراد من هذا القول خلق هالة شخصية الساحر الذي يستطيع إدارة الدولة التي حولها وأسرته إلى شبه محمية، وجمال عبدالناصر جمع صفات هذا وذاك - القذافي وصالح - كان بارعا في مخاطبة جموع الجماهير، وهو يفتقد لصفة الإقدام والمروءة.

وللحروب جنرالات هم عبارة عن أدوات ملوثه، يتواجدون في وقت ما يؤمرون به، وتختفي صورهم الشاحبة ما إن يتم وضع الأوزار، ولا مستقر لهم إلا أسفل قوائم التاريخ، وأدنى من ذلك، إذ تظل سيرتهم في الوحل، وفي الغالب ما يتجاهلهم المؤرخون؛ حتى إن كانوا ذوي سيرة نقية قبل تلطخ أياديهم بالدماء. والعبرة في الخواتيم.

ولدي الدليل، فأتصور أنه يستحيل أن يكون هناك عربي، لا يخال له اسم إرييل شارون؛ الذي تورط في مجزرة «قبية عام 1953»؛ وألحقها بـ»صبرا وشاتيلا في 1982»، ومجازر «جنين 2002»، والسجل الدموي أكبر من المساحة، وذهب في نهاية المطاف إلى سلة مهملات التاريخ؛ غير مأسوف عليه.

ولأن مساحة المقال بدأت تتقلص، سأكتفي بشارون كدليل على السفاحين.

وبعد كل ذلك يمكن القول إنه مثلما هناك جنرالات حرب؛ فهناك من يشبههم لكن سلاحه الكلمة. وأعني هنا؛ الإعلام الغربي الذي يدعي ويتشدق بحرية الرأي والكلمة، ويمتهن النضال وفي مزاجية مقيتة ليس لها أي ارتباط بمفهوم الإعلام الحر.

وهذا الحديث ليس من ضرب الخيال؛ إنما مبني على تقرير نشرته صحيفة «أخبار 24» للزميلة لجين الأحمدي، نقلا عن الوزير الفلسطيني أحمد العساف المشرف على الإعلام الرسمي، ورئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية؛ أن ما تم حذفه من مواد إعلامية تحكي المعاناة الفلسطينية، قرابة مليون محتوى.!
ولم يقف العساف عند هذا الحد، بل وجه أصابع الاتهام لوسائل إعلام غربية، أنها سمحت بنشر المحتوى الإسرائيلي الذي اعتبره «تحريضيا» – طبقا لوصفه – في محاولة «لتذويب» الحقيقة، على حساب تصدير الزيف والتحريف.

وحديث الوزير الفلسطيني بكل الأحوال لم يكن رأيا شخصيا، إنما يمثل رأي دولة، باعتباره صدر تحت مظلة المنتدى الدولي «الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيز»؛ الذي احتضنته جدة قبل أيام، وتبنته رابطة العالم الإسلامي، والذي هدف إلى كشف حقائق الدور الإعلامي الذي تقوم به وسائل الإعلام الغربي، المدلسة والمنحازة، والتي كسرت أهم قواعد الإعلام النزيه.

في اعتقادي، على اعتبار أنني أعمل بهذه المهنة منذ قرابة عشرين عاما، وأزعم امتلاك بعض من المفاهيم التي تستند على أخلاقيات المهنة، أن الإعلام الغربي تم تأسيسه على «التوجيه السياسي»؛ الذي يمكن أن يخضع للحزبية، أو ربما للمال السياسي، الذي قد يحمل في حقيبة قادمة من بعيد، أو قريب.

والأهم من ذلك، وفق تصوري، فإن كثيرا من وسائل الإعلام الغربية استفادت من الرأي العام العربي، بل قد تكون بعضها صنيعته، كونه وضعها كنبراس للمصداقية، دون النظر للتفاصيل الدقيقة.

بمعنى أن العالم العربي الذي اعتاد على الإعلام الحكومي نظر لتلك الوسائل على أساس أنها ذات مصداقية مطلقة، لكن الأمر انكشف وانجلى بعد أن أصبحت الشعوب أكثر وعيا مع الوقت.

في الحقيقة إن الأحداث التي كشفت زيف الحقائق التي تسوقها كبريات وسائل الإعلام الغربي، هي كتلك التي تحكي قصص جبروت وعنفوان جنرالات الحروب التي مرت على المنطقة ممن كانوا متعطشين لدماء أبنائها، وحققوا أمجادا على نزفها وفق ما يرون.

إن الأمانة والمصداقية المفقودتين في تلك المنصات الإعلامية؛ والتي يؤسس لها صاحب القرار في الحبر المسال، هي كتلك التي يفتقدها من يضع نيشان بندقيته بين عيني طفل لتحقيق هدفه السامي، طبقا لحسابات حربه القذرة.

ما حدث في المنطقة والعالم العربي على مر السنين، يحكي حقائق في أغلبها مر، والمصداقية أصلها لا تقبل القسمة على اثنين، لكنها في رؤية الصحافة الغربية ظاهرها بديع وباطنها يجيد ويعتمد التلون.

إنها معايير لئيمة ولعينة، تفتح الأبواب أمام روايتهم، وتنحر روايتي وروايتك والحقيقة.. سحقا لها.