بسمة السيوفي

حموات هذا الزمان

الثلاثاء - 28 نوفمبر 2023

Tue - 28 Nov 2023


«رغم أن علاقتي ستتغير مع ابني، لكن تذكري دوما أنني أمه.. وأنك ستصبحين المرأة الأولى في حياته الآن، وأهم شيء بالنسبة لي هو أن تحبيه دون شرط.. وأن تكوني أكبر معجبيه حتى نهاية العمر».. هكذا أنهت حماتها كلماتها الودودة في اللقاء الخاص الذي سبق حفل الزفاف بأيام، نقاش ونصائح في جو يسوده الوضوح، وضعت خارطة طريق للتعاملات والتوقعات عبر حوار يؤسس لتفاصيل العلاقة بعد الزواج؛ لأنه في البدايات قد تكون علاقة الزوجة بأهل زوجها شائكة وملتبسة وعرضة للصراعات إن لم تتأسس على أرضية واعية تمهد للقادم من حياة، دون توقعات عالية.

ثمة بيانات رسمية صادرة من وزارة العدل في المملكة العربية السعودية عن عدد حالات الزواج حتى منتصف 2022م حيث بلغت 107,263 حالة، وتم تسجيل 303 حالات زواج يوميا، بينما بلغ عدد حالات الطلاق 168 حالة يوميا، بواقع 7 حالات طلاق في كل ساعة، ولكم أن تقوموا بمعادلة حسابية لمعرفة حجم الفجوة أو المعدل النسبي والتباين.

المهم في هذه الإحصائيات أن نسبة تدخلات الأقارب وسيطرة الأهل، والأم تحديدا، في التفاصيل الصغيرة والكبيرة بين الزوجين تشكل أبرز المسببات التي تؤدي إلى انهيار العلاقة الزوجية وحدوث الطلاق.

وفي مقام موالي نجد أنه لم يعد بمقدور حماة هذا الزمان أن تكون كحماة الستينيات أو الثمانينيات المتسلطة؛ فقد أصبحت أغلب الحموات أكثر تعليما ووعيا نضجا واستقلالية عن الدوران في فلك الاعتماد المطلق على الأبناء أو البنات. خطاب الأمومة في عالمنا العربي يصل بالحماة الأم إلى مستوى التبجيل والتوجس متأثرا كمفهوم بالثقافة السائدة، والمحكيات التي لم تفقد بريقها القديم، والسينما العربية، حيث حوصرت في زاوية المتسلطة الغيور التي تحيك المكائد لخراب البيوت وتعاسة زوجة ابنها.

إن القراءة الأيديولوجية لدور أم الزوج وأثره على العلاقة، شوهت المفهوم بشكل كبير، خاصة أن المجتمعات العربية لم تتمكن إلى الآن من تحرير نفسها من براثن وأعباء التنميطات السلبية السابقة للعلاقة بين الحماة والكنة، ولم يتم تحرير وإعادة تشكيل المفهوم من الجانب الإيجابي والواقعي عبر تكثيف عرض النماذج الجيدة والجميلة من العلاقات «الحماتية البنتية».. بشكل يخفف من تأثير النماذج «الشريرة» السابقة على الواقع، ولم تتوقف المجتمعات العربية أيضا عن اعتبار زوجة الابن أكثر ضحية متوقعة في هذه العلاقة.. على اعتبار أن الحماة بالمطلق هي الغول والعنقاء والعدو الخفي!
والسؤال هنا.. كيف تتأسس علاقة جيدة مع أم الزوج أو أم الزوجة؟ وكيف تستدام هذه العلاقة دون تدهور أو قطيعة.. خاصة إن عرفنا أن نسبة الأشخاص الذين لديهم علاقة إيجابية مع حمواتهم عالميا هي 56%، أي أكثر من النصف بقليل! بداية تحتل قيمة الاحترام في المعاملة الدرجة الأولى؛ فلا يجب أن يفقد ذلك أبدا، ثم صناعة الفرص للتعارف بشكل أقرب.. مع إشراك أم الزوجة أو أم الزوج في بعض الأنشطة والمناسبات العائلية حرصا على استمرارية العلاقة. أما بالنسبة لزوجة الابن فلا يجب أن تشعر حماتها بالمنافسة، وأنها صاحبة السطوة على ابنها.. على الأقل ليس أمامها، لا بد أن تكون لديها القدرة على إيصال المشاعر بصراحة مع احترام العمر والخبرة.

وإن كانت هناك مشاكل في العلاقات بينهما، فلا بد من التغاضي قدر الإمكان، ومعالجة المشكلات بلطف، مع التعبير بوضوح وامتنان.

من المؤكد أن العلاقة الرائعة أساسها احترام خصوصية كل طرف دون التدخل في التفاصيل ولا التسلل إلى حياة الزوجين من خلال التعذر بحل مشاكلهم، أيضا العمل على تقوية العلاقة والاستمتاع بقضاء الوقت سويا خلال أوقات متفق عليها وليس لمجرد أداء واجب مفروض عند عائلة الطرفين في الزيارة الأسبوعية.

أيضا سؤال الحماة عن بعض الأشياء والذكريات.. عن طفولة ابنها أو عن طفولة زوجتك فهذا يعني الكثير.. مع الوضع في الاعتبار أن الحماة شخص ذو مشاعر ومعتقدات وأفكار، وليست مجرد امتداد للرجل الذي تزوجته. من الجميل أيضا أن تساعد زوجة الابن حماتها في التعرف إلى أحفادها بشكل أقرب، وأن تكون حياتهم مليئة بالجد والجدة، حتى لو كان عبر مشاركة صورهم «وفيديوهاتهم» بانتظام.

وبالعودة إلى إشكالية تشويه العلاقة «الحماتية البنتية» عبر العصور، الإشكالية القائمة بمجملها، والمعتبرة ذنبا ينتظر المغفرة، نجد أن هناك تحولات تغيرت معها المفاهيم والمشاعر نحو حموات هذا الزمان.. بالرغم من تنوع القصص التعيسة تاريخيا وجغرافيا، لكن دعونا نتكلم بصراحة؛ لأن المأمول من العلاقة هي أن تكون بين متجاذبين وليس متنافرين، العبء الأكبر في البدء يقع على الحماة، فهي من يجب أن يحتوي البدايات ويمهد لسعادة العائلة الجديدة عبر منح الثقة والمبادرة وعدم انتظار المردود طوال الوقت، والغارس سيحصد.

التساؤل المطروح ختاما هل ستغدو النظرة عن حموات هذا الزمان مثالية في ظل وجود نماذج مخجلة في عالمنا لا ترقى لمستوى الأمومة المانحة التي تعي دورها في حياة أبنائها؟ تلك النماذج «الحمواتية» التي تتناسى محطات الرحيل وأن الكل عابرون.. لا يدرون عن صلاح الغرس بعد الرحيل.. فكلها توافيق من الله.

تبقى العلاقة بين حجري رحى.. والكتابة في شأنها مجرد محاولة لتجميل ما يصعب تجميله.. دون التسليم بأنه مستحيل.




smileofswords@