عبدالحليم البراك

دموع الرمل.. عيون في الجزيرة ترقب عبدالعزيز آل سعود

الاثنين - 27 نوفمبر 2023

Mon - 27 Nov 2023


«دموع الرمل» عمل روائي يترك من خلاله الدكتور شتيوي الغيثي أثرا لطيفا، كيف كانت الجزيرة العربية قبل، وبعد الملك عبدالعزيز؟ أو في عبارة أدق في وسط الخط الزمني لتأسيس الجزيرة العربية، وجغرافيا موقف البدو في وسط وشمال الجزيرة المنشغلين بلقمة العيش اليومية من الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وكيف تم جرهم لحرب ضد الملك الراحل، لا يلبثون إلا أن يسمعوا عن عدله وتمدد ملكه يوما بعد يوم، فلا يسعهم إلا الوثوق به، كانت «نوير» البنت الصغيرة، والأم، ثم الجدة ترقب (من خلالها أو من خلال والدها وولدها) كيف تطور هذا الحدث الكبير بعيون صغيرة جدا هي عيون الناس؟، أو كيف يمكن لعيون الهوامش من الناس أن يرقبوا الأحداث الكبرى؟، فبرغم مشاركة والدها في الحرب ضد الملك عبدالعزيز والذي يموت في جانب أعدائه، إلا أنه يلمس ويرى ويشاهد كيف استطاع الملك عبدالعزيز أن يفرض احترامه على القبائل العربية بمن فيهم أعداؤه ومن قدرته على صد أي عدوان حتى ولو كان هذا العدوان جزء منه هم العثمانيون أنفسهم أو حاميات العثمانيين أو وكلاؤهم من القبائل العربية.

نوير شابة صغيرة تتطلع إلى والدها وكيف عصف به الجوع والخوف والمرض في شتاءات الشمال القاسية؟، وكيف نجا من تلك العواصف لكنه لم ينج من الموت على يد جيش الملك عبدالعزيز من معركة إلى أخرى وقبل أن يستقر رمح في جسده لعدة أيام يرى قطرات الدم تسيل من جسده من دون ما ينقذه أحد بسبب خوف كل واحد منهم على نفسه في سياق الرعب الذي لف أعداء الملك قبل أن يؤسس ملكه وقبل أن يوحد الجزيرة، بل كان في سياق الإعداد لذلك.

«نوير» بطلة العمل الروائي هي المرأة الأنثى التي تستطيع أن تنجو من برد الشمال وحرها، من جوعها وصلف العيش، والتي كانت لا مطمع فيها من الرجال لتواضع جمالها ولفقرها من جهة أخرى، ورغبتها في الإنجاب فحسب من جهة أخرى، كل هذا لم يشفع لها أن تعيش حياة رغيدة فالمصائب لا تأتي فرادى، والخوف الذي يسيطر على الجزيرة العربية من كل جهة بسبب أنها متفرقة فثمة ولاءات للشمال، والغرب له حساباته الخاصة والجنوب يعيش أجواءه المختلفة والشرق لا يعرف إلى ماذا ينتهي وينتمي في ظل تراجع إمبراطورية الإنجليز، لكنها (أي نوير) تعيش (ومعنى تعيش يعني أن تأكل وتشرب وتربي طفلها وحسب) لا شيء أكثر من هذا! لكنها – وربما مؤكد هذا – لم تكن حية أصلا إلا في ذكريات طفلها التي ربته وفازت بشرف الأم الخائفة على ابنها.

نوير التي تودع والدها في موتته الشنيعة، لا تلبث حتى تستقبل ولدها الذي تربى في كنفها ولم يكن في سياق تربية الرجال بسبب أن والدته اشترطت طلاقها من الرجل الوصي عليها من قبل والدها بعد أن تنجب الولد، تتعثر في تربية هذا الولد الذي يجب أن يكون هو أثرها في الأرض، ولد (ضاري) وهو يشهد ميلاد الدولة السعودية الجديدة بعد أن يبلغ العشرين عاما، الطفل الذي تربى كثيرا في كنف أمه، وقليلا قريبا من والده وبعض الشيء من الموالي الذين كانوا يعتنون به فكان صديقهم الوحيد في تلك اللحظات، وحتى هذه اللحظة لم يكن شيئا يذكر وليس سوى شاب من عشرات الشباب الذي اختطفتهم الصحراء والرمل وحياة البدو، وربما اختطفتهم أيضا أفكار أخرى مثل والده تماما ليكون مرة أخرى في صف أعداء الإمام عبدالعزيز رحمه الله فتعاجله المنية على أيد جيش عبدالعزيز الفاتح!
أخيرا، هذه الرواية – التي تبدأ بهدوء وبطء، ثم لا تلبث أن تتسارع فيها الأحداث حتى تقطع الأنفاس في آخرها - ليست في عمق ملحمة الملك عبدالعزيز في ظل توحيد الجزيرة له، فهذا العمق يمكن أن يكتبه مؤرخ أو باحث، لكنها أحداث صغيرة ترقب كيف يمكن للأحداث الصغيرة أن تشكل عقول الناس، كيف يمكن للملك وهو يصول ويجول، يترك أثرا مثل أثر الرمل في ذاكرة الناس كما يترك الغبار أثرا على وجوههم الكادحة، وكيف يمكن أن ترى عيون الناس الأحداث الكبرى بعيون بسيطة وليست سطحية، كما أنها من الأعمال الروائية القليلة التي تروي لك زاوية من ملحمة التوحيد بعيون على الأطراف!



Halemalbaarrak@