عبدالله العولقي

هوية القرن الحادي والعشرين

الاثنين - 27 نوفمبر 2023

Mon - 27 Nov 2023


يقال إن الحرب العالمية الأولى هي من حددت ملامح القرن الماضي، فعندما آمنت ألمانيا بقدراتها الذاتية انتهجت بريطانيا وفرنسا طريقة الاستعمار، وبفضل تقدم ألمانيا الصناعي المذهل حينها أرادت التوسع خارج الأسواق الأوروبية فاصطدمت بواقع السيطرة، فبريطانيا وفرنسا قد استعمرتا العالم حينها فبدأ التصادم الذي انتهى بمأساة الحرب الكونية، ومن المفارقات البشرية أن التقدم العلمي والتقني يجلب معه الحروب والصراعات البشرية، وهنا تدق نواقيس الخطر تجاه حرب كونية ثالثة توازي حجم التقدم العلمي في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.

بعد انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة بدأت تبشر بنظام العولمة وتوهمت أنها ستظل مهيمنة على العالم من خلاله لكن المفاجأة حصلت مع معجزة بكين، وما حصل مع الصين اليوم هو عكس ما حصل مع ألمانيا في الماضي، فعندما أرادت بكين التوسع في الأسواق العالمية وجدت أن الطريق ممهد لها بفضل بيئة العولمة وتقارب الأسواق الدولية التي بشرت بها الولايات المتحدة، والتي أضحت اليوم تستنهض كامل طاقاتها من أجل تقويض بكين وكبح جماح التنين الصيني!!.

محركات التاريخ كثيرة، لكن يظل الاقتصاد والفكر هما أهم تلك المحركات الواقعية، فعامل الاقتصاد مهم جدا وهذا ما رأيناه في الأسطر الماضية تجاه موضوع ألمانيا والصين، أما الفكر فيرتكز على قضايا جيوسياسية وثقافية، فلو نظرنا إلى عامل الثقافة المتوارثة مثلا، نجد عودة ثقافة القوميات والأصوليات إلى الذهنية الأوروبية، وهذا قد يفسر وصول الأحزاب اليمينية عبر صناديق الاقتراع إلى سدة الحكم في العديد من الدول الأوروبية، ولعل خطاب الكرملين تجاه أوكرانيا هو استدعاء تاريخي صريح لذهنية بطرس الأكبر تجاه روسيا الكبرى وتطبيق واقعي لفكر الفيلسوف ألكسندر دوغين، وذات الأمر يقال عن الذهنية الأصولية اليمينية الصهيونية التي أقصت أحزاب الوسط واليسار لتستقل بمنهجيتها الدموية العنصرية تجاه الفلسطينيين.

خلال العقود الماضية حاول الغرب من خلال إعلامه العملاق أن يخلق نمطية ثقافية تجاه العرب والمسلمين ويربطهم بفكر الإرهاب والقتل والدموية، حتى أصبح شعار المسلمين وهويتهم (الله أكبر) مرتبطا لدى الآخر بالتفجير والقتل، بينما تم تنميط ثقافتهم بالعلوم والمخترعات والحضارة المتقدمة، بينما لو تأملنا مخرجات القمة العربية الإسلامية الأخيرة التي عقدت في الرياض نجد ثقافة الرقي الحضاري والثقافي عند العرب والمسلمين في أبهى صوره بالدعوة إلى وقف الاعتداءات الوحشية والعودة إلى طاولة المفاوضات وإحياء السلام وضرورة إرساء التسامح الديني، بينما نجد واقع الغرب هو الاصطفاف الأعمى مع الجريمة الإنسانية في غزة!!.

يكثر الحديث هذه الأيام عن هوية القرن الحادي والعشرين، وأن حرب أوكرانيا وغزة هما أطر تلك الهوية تماما مثلما حددت الحرب العالمية الأولى هوية القرن الماضي، ومن خلال تلك الأبعاد نجد أن صراع الهوية قائم اليوم بصورة مخيفة في العالم، الغرب الذي يرى نفسه متقدما يؤجج هذا الصراع بين الشرق والغرب في أوكرانيا، ويحاول أن يروج للحرب في غزة كصراع بين الحضارة والتخلف ولو بمعيارية تناقضية مكشوفة أمام الجميع، هذه الازدواجية أفشلت مشروع النمطية السلبية التي يحاول خلقها تجاه العرب والمسلمين، لم تعد الصورة تنطلي على الرأي العالمي، الصورة العربية والإسلامية تقدم نماذج حضارية تتفوق على الغرب، فقبل عدة أيام تم تدشين حوار حضاري إنساني عقده مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار (كايسيد) في مدينة روتردام الهولندية، جاء المنتدى بحلة حضارية تتوافق مع الرؤية الوطنية السعودية التي يقودها باقتدار سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان حفظه الله.



albakry1814@