المثقف السعودي من عطارد والمثقف الأمريكي من نبتون
الاثنين - 27 نوفمبر 2023
Mon - 27 Nov 2023
وعطارد أقرب الكواكب السيارة للشمس، ملتهب بما فيه وحوله، قرين المثقف السعودي، حينما يناقش المثقف الأمريكي، الشبيه بنبتون أبعد الكواكب عن واقع الشمس، والمغطى بالغازات المتجمدة، ما يعيق عليه تفهم معاناة سكان الشرق، من تاريخ طويل معقد، ومعتقدات وعنصريات وجهل وتخلف وحروب وثورات تستحثها أطماع دولية في ثروات الأرض.
المثقف الأمريكي يعجب بالقهوة المرة، والكبسة وطلعة البر، ولكنه يجهل أن المثقف السعودي يتخطى الهمبرجر ومباريات البيسبول وموسيقى الجاز بضلوعه في تراكبية الحياة الاجتماعية والثقافية الأمريكية، وحسنات وسيئات سياسة وديمقراطية الأحزاب، ويميز أعضاء الكونجرس والنواب المؤثرين في قرارات واشنطن، ويتحمس للانتخابات الرئاسية، وله وجهات نظر عميقة في جزيئيات علاقات أمريكا بالدول الغربية، والشرقية، وتأثيراتها على هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والناتو، ومجموعة العشرين، ومنظمات حقوق الإنسان، بأكثر مما يدركه المثقف الأمريكي عن حيثيات وطنه نبتون.
المثقف السعودي خبير في قوة أمريكا، وتسليحها، وتدخلاتها العسكرية، وتأثيرات دولارها، وصداقاتها حينما تزدهر أو تنقلب مع مصالحها، ويدرك خطورة وهيمنة اللوبي الصهيوني في توجيه قراراتها.
المثقف الأمريكي يظل ينظر للمثقف السعودي، على أنه سطحي، بتداعيات الصورة الكلاسيكية، التي رسمتها هوليود عنا، بكروش ورولزرويس وشماغ لا يستقر على الرأس، وعقال ضاحك، وجيوب مليئة وعقول فارغة، ويجهل أن المثقف السعودي أصبح أكثر تمكنا وتحضرا وشمولية، بامتلاك الثقافة والأدوات والمشاركة والتعمق في حركة الاقتصاد العالمي، عبر الترقية الذاتية، وتغلغل طموحاته في العلوم والهندسة، والطب، والفلك، والذكاء الاصطناعي، مع احتفاظه بالقيم والتاريخ ومحاولة التوازن بين معطيات وحراك الأمس واليوم.
المثقف الأمريكي يكتفي بتأطير البشر «مع وضد»، ويسهل عليه التصنيف بالإرهاب، برؤية قاصرة، بينما يتقبل المثقف السعودي المختلف، ويعقد الصداقات، ويتطور ويتغور في حيوات الأمم، وأمريكا بالذات، تاريخها وواقع حلمها وحريتها، المهددة بضراوة صراع السلطة على البيت الأبيض، واستغلال ثغرات القضاء والقوانين الفدرالية، وسبر توجهات قنوات الإعلام، ومجريات أخرى لا يتعب المثقف الأمريكي عقله بالتبحر فيها.
المثقف الأمريكي لا يقدر خصوصية ومكانة السعودية بين الدول العربية والمسلمة، وقد يستهين بمواقفها ويهمشها عن جهل، بينما يعرف المثقف السعودي قيمة وطنه بين الدول العربية والمسلمة، وحساسية التوازن وعدم اتخاذ القرارات الفردية، مهما صبت في مصلحتها، مراعاة للتاريخ والظروف والأخوة والأصدقاء، ومعضلات الجيرة، مع التزامها بأداء أدوار الشقيقة الكبرى لهم بإخلاص، في السراء والضراء.
علاقة السعودية بفلسطين، لم ولن تكون قرارا سعوديا فرديا، حيث إنها قضية العرب والمسلمين، تحتاج للتعقل والتوازن، والبحث عن سبل وأسباب السلام العادل، وهذا ما لا يفهمه المثقف الأمريكي، المستخف، الذي يرى أنه من السهل على السعودية، نبذ أشقائها وأصدقائها، ومبادئها، وقيمها، وتعهداتها، والانزياح السريع للتطبيع مع إسرائيل على حساب كل عزيز ومكنون.
حينما يتحدث المثقف السعودي مع قرينه الأمريكي، تظهر فروق وتأثيرات وعمق الفجوات بتباين الحرارة بين مفهوم الكوكبين، وتتضح أنانية أمريكا الحريصة على مصالحها بسياسة متفردة، ومنظور إجبار قسري للضعيف، وغض طرف عن دموية وافتراء على شعب فلسطيني أعزل محتل، وإصرار على تنفيذ صفقة العصر الخيالية الظالمة، ومهما شلت أطراف الشرق بزمهرير غازات تعنتها، غير المفهومة ولا المقدرة عند سكان كوكب يحترق قهرا.
shaheralnahari@