لماذا الأغنياء لا يبالون بالماركات؟
السبت - 25 نوفمبر 2023
Sat - 25 Nov 2023
من أغرب المفارقات في السلوك البشري التي يجدر التوقف عندها مطولا أن أثرى أثرياء العالم يرتدون ملابس عادية ليست من ماركات شهيرة أو غالية الثمن، وكذلك في كل مشترياتهم، بينما الطبقة الوسطى لا يكتفون بإنفاق دخلهم المحدود على الماركات الشهيرة الباهظة الثمن إنما يستدينون لكي يمكنهم شراؤها، فما هو تفسير وأسباب هذه المفارقة؟
تفسيرها يرجعنا إلى حقيقة أنه دائما هناك نوعان من الناس؛ نوع يملك الحال الحقيقي كالفضائل والمثاليات، ونوع يريد أن يظهر للناس أنه يملك الحال المرغوب لكنه فعليا لا يملكه؛ ولذا هو شديد الحرص على كل المظاهر التي توحي بأنه يمتلك الحال؛ ولذا يبدو أكثر تشددا وتعصبا وتطرفا بمظاهر الفضائل والمثاليات لكي يثبت للناس أنه يمتلك الحال، بينما من يمتلك الحال الحقيقي لا يشعر بالحاجة لإثبات شيء لأحد؛ ولذا لا يشعر بالحاجة للمزايدة على أحد بالتعصب والتشدد والتطرف، وبالمثل هو الحال بالنسبة للأثرياء بحق فهم لا يحتاجون للاستعراض بالماركات الباهظة الثمن لإثبات أنهم أثرياء، بينما غير الأثرياء عندما يريدون منح أنفسهم صفة الثراء يحتاجون للمبالغة في المظاهر التي توحي بالثراء مثل الماركات الباهظة الثمن، وأيضا من ليس لديه إنجازات عملية يفخر بها عندما يريد أن يتفاخر لا يملك غير المشتريات ليتفاخر بها؛ ولذا هناك مفارقة على سبيل المثال في سلوك النساء العاملات واللاتي يتلقين رواتب مرتفعة مقابل سلوك ربات البيوت بالنسبة للمشتريات؛ فربات البيوت لديهن ميل أكبر للإنفاق المفرط على المشتريات وأوجه الحياة الاستهلاكية مثل تصوير أنفسهن في المطاعم الباهظة التكلفة بشكل لا يحصل من النساء العاملات؛ لأن النساء العاملات يشعرن بتحقيق الذات عبر الإنجازات العملية، بينما ربات البيوت يشعرن أن إثبات الذات يكون عبر مظاهر البذخ المالي وإن كان بالديون.
هناك سوء فهم حول وصمة «محدث نعمة» فمن يتصدرون قائمة أثرى أثرياء العالم من الذين لا يرتدون ماركات ويكتفون بالملابس البسيطة العادية، كلهم محدثو نعمة لكن ليس لديهم السلوك الاستعراضي المبتذل بالمال الذي يكون لبعض محدثي النعمة، والسبب هو أن من كان سبب نعمته الحديثة إنجازاته العملية يكون فخره بإنجازاته العملية وليس بماله وما يمكن شراؤه بالمال؛ ولذا لا يشعر بالحاجة للاستعراض بماله، بينما من كان مصدر نعمته الحديثة لا يتضمن أي إنجازات عملية إنما جاءه من الزواج أو الإرث أو تعويضات وما شابه فعندها لا يوجد لديه ما يفخر به سوى المشتريات الباهظة الثمن، ولذا من يعرف هذا الأسباب العميقة وراء الهوس بالماركات الذي يفلس الطبقة الوسطى ويحرمها من فوائد الادخار سيدرك أنه في الواقع أمر يوجب الخجل منه وليس التفاخر به فهو يقدح بحقيقتهم وشخصياتهم.
كما أن بعض المجتمعات لديها ثقافة أخلاقية متقدمة حول كيفية التعامل مع المال تجعل من التفاخر بالمال أمرا يعيب صاحبه بخاصة بالنظر إلى وجود الكثير من الفقراء بالمجتمع وأيضا في ظروف الشدة الاقتصادية، بينما المجتمعات التي تسودها ثقافة «غرور الأنا/ الإيجو» تفتقر إلى مثل تلك الفضائل ولا ترى هناك عيبا في الاستعراض المبتذل بالمال بل تراه محمودا؛ لأنه يمنح صاحبه سمعة ومكانة اجتماعية يحسد عليها؛ ولذا يكون السائد في أهلها التصرف كمحدثي نعمة وإن كانوا قديمي نعمة طالما أن السمعة والمكانة يتم تحصيلها بالمظاهر المادية وليس بالإنجازات العلمية والعملية والأخلاق والفضائل والأعمال الصالحة، وبالمثل هو التفاخر بالنسب والانتماءات، فصاحب الإنجازات العملية لا يتفاخر بانتماءاته، بينما من لا إنجازات لديه يفخر بها لن يجد غير انتماءاته ليتعصب لها لكي يتفاخر بها.