باسم سلامه القليطي

الإحساس نعمة

السبت - 25 نوفمبر 2023

Sat - 25 Nov 2023


الإحساس وعي وإدراك، يعمل على إنهاض النفس، وحملها على طلب الجمال والكمال في كل مكان، الإحساس قوة في الشعور، وحياة للروح، تفاعل ذاتي، وتكامل جماعي، وتكافل اجتماعي، إحساس بمآسي الناس، ورعاية شؤونهم، وقضاء حوائجهم، بحب وإحسان قدر الإمكان.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرا).

الإحساس نواته القلب، ومهده العقل، ومصنعه المواقف، فإما ينمو ويعلو في سماء المسؤولية والإيثار، وإما يذبل ويطفو على مستنقع الخذلان والأنانية، ونعمة الإحساس معدية متعدية، تنتقل كرائحة المسك بين الكفوف المتصافحة، فإن غابت عن المكان، ودارت دائرة الزمان، قلت التهاني والتبريكات، وعزت التعازي والمواساة، وتلاشت المجاملة، واندثرت الملاطفة.

ثمانية لا بد منها على الفتى
ولا بد أن تأتي عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة
وعسر ويسر واعتلال وعافية
الإحساس بنعم الله تعالى وفضله وكرمه وإحسانه، لهو جوهر الحياة، وأولى عتبات العبودية لله، فمن أحس واعترف، شكر وحمد، وتذلل وسجد، فتصبح التفاصيل اليومية، عناوين فرعية لغاية كبرى وهدف أسمى: رضا الله عز وجل، كما قال سبحانه: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).

يقول الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد «ما قلت قولا ولا عملت عملا إلا وأعددت له جوابا يوم القيامة».

ويقول ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر) «وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله، فظن أن لا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة، وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. وربما كان العقاب العاجل معنويا، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب! كم أعصيك ولا تعاقبني! فقيل له: كم أعاقبك ولا تدري! أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟!. فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة، وجده بالمرصاد».

الإحساس يزيد وينقص، يفقد ويكتسب، ومن أراد الاكتساب والازدياد، فعليه باستحضار الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، التي تحث على بذل الخير للناس، والتحلي بمكارم الأخلاق، ليتأملها ويتدبرها، ويستشعر معانيها، فيتدفق الإحساس إلى خلاياه، فينمو ويسمو، ويثمر قلبا أخضر، يسر ولا يضر، يهدي ولا يؤذي، يبارك ولا يعارك، نجمة مضيئة في صحراء مظلمة، تلك نعمة الإحساس.

إذا أعجبتك خصال امرئ
فكنه يكن منك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمات
إذا جئتها حاجب يحجبك