خالد العويجان

المملكة وأصوات النشاز

الأربعاء - 22 نوفمبر 2023

Wed - 22 Nov 2023

أقسى المواعيد، اثنان؛ موعد مع حبيبة، والعياذ بالله. هذا الأول.

الثاني؛ ذلك الذي يقودك لعيادة طبيب أسنان.

الدخول لتلك العيادة، يكاد يتفق على خشيته غالب البشر؛ كما ما سبقه.

الموعدان تعيسان، عشت أحدهما، ولن أعيد التجربة.

والدول في مفهومها وإطارها العام حرة، وإن كان هناك البعض منها يعيش حالة من مصادرة الرأي فهذا شأنه الخاص.

والشعوب أيضا حرة، وإن كان أيضا هناك ما هو مسلوب الصوت، فهذه مشكلته الخاصة.

والمتعاطفون كثر، والمغلوب على رأيهم أكثر، والجهلة أعظم، والسذج حدث ولا حرج، وبالمجمل كل ما سبق؛ يترعرع في العالم العربي.

والحرية لا تتجزأ، ومفهوم الأمن كذلك لا يقسم، ومن يستهن بهذين الأمرين، فهو لا يستحقهما.

ومناضلو مواقع التواصل الاجتماعي، عبارة عن بؤساء، وأزعم أنهم عبارة عن مندسين، أو بصريح العبارة الغالب منهم مرتزقة، ممن ينتهجون ترديد الصوت لا أكثر ولا أقل.

وفي حقيقة الأمر؛ أواجه صعوبة في فهم كثير من البشر. التكنولوجيا بالنسبة لي مقيته، فسحت المجال لكثير من الجهلة، وأخرجتهم كنوع من الغث والسمين.

أخجل من النظر إلى بعض تلك المهاترات، وكذلك من الدخول لمنصات تمتهن محاسبة الخلق نيابة عن الخالق، وهذا يتضح بعد الحرب على قطاع غزة؛ عقب أن تحولت بعض الأصوات في العالم العربي، إلى ناقد للمملكة، وكرس تصويب سهام نقده نحوها، نتيجة سيرها في خطوط مرسومة، لها علاقة في الدرجة الأولى بسياسة الدولة، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.

لم أجد تفسيرا حتى الساعة، لمبررات ومطالبات السعودية بتوقفها عن الحياة الطبيعية، ولا أفهم في حقيقة الأمر كيف يتم صرف النظر عن كل الجهد الذي تبذله الرياض لصد العدوان على قطاع غزة.

ولا أعي كيف يمكن للبعض تجاهل اللجنة الوزارية التي تمخضت عن الاجتماع غير العادي الذي احتضنته عاصمة بلادي، لوضع حد لحمام الدم الذي تشهده غزة.

فوزراء الخارجية الذين يشكلون اللجنة الوزارية تلك، طارت قبل أيام على متن طائرة سعودية خاصة، في جولة دولية، بدأت من العاصمة الصينية بكين.

ومن يرأس تلك اللجنة بالمناسبة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي لم يهدأ منذ السابع من أكتوبر الماضي، في المنافحة عالميا للمطالبة لإبعاد الأبرياء والمدنيين على أقل تقدير، عن فوهات النار الإسرائيلية، المدعومة أمريكيا.

ما أريد الوصول له؛ هو النظر والبحث في شخصيات عربية، الكثير منها لا يتجاوز كونه نكرة «مكعبة»؛ وتمحيص مطالباتهم على سبيل المثال بضرورة إيقاف موسم الرياض، المجدول مسبقا، في صورة من صور تعميم البؤس المحفوف بالنواح والنعيق الالكتروني.

وحين أقول «مجدول مسبقا»؛ ماذا يعني ذلك؟ يعني أن عقودا كلفتها مئات الملايين قد تم إبرامها قبل اندلاع شرارة الحرب في غزة، ولا سبيل لها إلا التنفيذ. هذا أولا.

ثانيا: إن تحققت تلك الأمنيات وقررت الدولة إيقاف ما يرونه ضربا من الترف، هل ستتوقف آلة الحرب تلك؟ بالطبع لا.

ثالثا وهذا الأهم: أن العواصم التي خرجت منها أصوات النشاز تلك، ليلها كالنهار؛ وإيقاعات «الهشك بشك» تكاد لا تهدأ ولا تكل ولا تمل.

وما يترافق معها – أي تلك الإيقاعات – بالضرورة أن يكون له نصيب من النشاط الليلي، والصمت هنا ضرورة يفرضها احترام الذات؛ وإلا الصور كثر والسواد أعظم.

في ظني أن شريحة كبرى في الرأي العام العربي، تعيش حالة كبرى من التضليل في اتباع عدد من المؤثرين في الشكل والصورة لا المضمون؛ ممن اعتادوا على تجييش الجماهير؛ للاقتيات على مسمى «السعودية الكبرى»؛ التي تجاوزت شعاراتهم وفكرة الرجعية التي ينحدرون منها فكريا ومنهجيا.

في يقيني أن هذه العينات متواضعة القيمة الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، هي من الناحية التاريخية، امتداد لتيارات وتكتلات سياسية وغيرها، لطالما عاشت على قذف المملكة بسهام الزيف والتزوير، تارة لخطها السياسي، وأخرى لخصوصيتها المتفردة، وإن لم تحن الفرصة، التفتوا لنهضتها؛ للتقزيم منها، وصولا إلى للإساءة لرموزها، ومجتمعها الكبير، كـ«القومجية؛ والعروبيين، والناصريين»؛ وغيرهم كثر؛ وهذا ليس بجديد، والتاريخ شاهد.

إن الفكرة السائدة لدى الإنسان السعودي، في تصوري تعتمد النظر بدونية لتلك الأصوات النشاز الموجهة ضد بلادهم.

يضاف إلى ذلك، وهذا أكثر أهمية، الإيقان بأن هذا القدر المحتوم لدولتهم، وذلك ليس وليدا للصدفة، إنما، نتاج تاريخي عميق عمره قرابة 300 سنة، أنتج هذا الثقل والاتزان التي تتمتع به من النواحي السياسية والاجتماعية؛ دولة عظمى كالمملكة العربية السعودية.

ولتذهب أصوات النشاز قريباً؛ لمزبلة التاريخ. قاتلكم الله.