تغريبتي الفلسطينية
الثلاثاء - 21 نوفمبر 2023
Tue - 21 Nov 2023
القدس عربية، وغزة فلسطينية، والجولان سورية، وسيناء مصرية، حقائق لن يطمسها تطرف أو غباء أي حكومة إسرائيلية، ولن يقايضها أي هوان عربي. وستبقى حاضرة وخالدة، تضحيات أكثر من سبعة عقود خسرت فيها الأمة العربية مليارات الدولارات وعشرات الألاف من الشهداء، وفرص ضائعة للنهضة والرقي والتقدم، دهسها قطار المشروع الصهيوني الذي فرضه الاستعمار بوعد من لا يملك لمن لا يستحق، وعد بلفور الإنجليزي الشهير، ومن بعده جاءت الإمبراطورية الأمريكية لتبقى حائط الصد الذي يحمي هذا المشروع الاستعماري من الانهيار أو السقوط، في كل العهود وفي كل المواقف.
مبكرا، ومنذ الطفولة أدركت أن فلسطين وقصتها ستكون محورا مؤثرا في حياتي وسنوات بلادي القادمة، رغم معايشتي لاحتفاء مصر الكبير بالسلام مع إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، وقتها أعلن الرئيس السادات أن أكتوبر 1973 ستكون آخر الحروب، عارجا إلى طريق السلام بعد أن حقق الجيش في عهده النصر العظيم.
كنت برغم ذلك استشعر أن هناك خطرا ما يزال قابعا على حدود مصر، ربما بسبب صورة العدو الغدار الذي رسخته جدتي في وجداني، بقصصها المؤلمة عن مدينة السويس أثناء وبعد النكسة، حيث كانت تعيش مع أبنائها. وحكاياتها المثيرة عن ألم تجربة التهجير الذي عاني منه أهل مدن القناة، بعد أن اضطرتهم ظروف الحرب للنزوح إلى القاهرة والدلتا هربا من القصف الإسرائيلي الإجرامي للمدنيين، ولم تنس أبدا أن تحكي قصة عمي الذي شارك في معركة النصر في أكتوبر 1973 وأخذ بثأرها وثأر كل السوايسة، وتختم وهي تغني أغنية محمد حمام «يا بيوت السويس» وتتساقط دموعها في شجن عميق.
وفي مطلع الثمانينيات، تابعت عودة ابن خالتي الطالب في كلية الهندسة بجامعة بيروت العربية، مصابا بـ«شظية»، لكنه بحمد الله نجا من نيران المعركة وفر من الحصار الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية، منه عرفت صورة القائد أبو عمار بلفحته الفلسطينية الشهيرة وهو يخرج إلى منفاه في تونس «منتصب الهامة»، كما تغنى مارسيل خليفة من أشعار سميح القاسم، في الأغنية المعروفة التي أصبحت نشيد المقاومة في كل زمان.
ويبدو أن حكايات الطفولة مهدت الطريق لــ«حنظلة» ليسكن قلبي وقلمي منذ أول إطلالة تعرفت فيها عليه مرسوما في واحدة من كبريات الصحف العربية، فقادني الفتى الفلسطيني المتمرد إلى صاحبه ومبدعه فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، ومنه عرفت واقع القضية بعد انكسارها في الشتات.
ثم التحقت مطلع التسعينيات بجامعة القاهرة وشاركت في أغلب مظاهرات الغضب التي خرجت تندد بوحشية إسرائيل وجرائمها التي لا تنتهي، برغم أن هذه السنوات وصفت بـ «عقد السلام»، من مدريد إلى أوسلو وصولا إلى كامب ديفيد، حيث تصافح عرفات ورابين، ليسقط رمز المقاومة الفلسطينية في فخ رئاسة السلطة بعد توقيعه ما سمي باتفاقية (غزة- أريحا)، وينال الشرف الأسمى بدخول البيت الأبيض مصافحا ساكنه بيل كلينتون. ليصل موكب السلام محطته الأخيرة في منفذ رفح البري وينتقل أبو عمار إلى غزة ومنها إلى الضفة، حيث استقر سنوات، مهدت للانقسام الفلسطيني والانتفاضة الثانية، حتى حاصرته إسرائيل ومات مسوما، وغابت القضية لكنها أبدا لا تموت.
خلال هذه التسعينيات كتبت ديواني الأول بمنطق وخيال «حنظلة» المصري، ونشرته بعنوان «حدوتة بنت اسمها.. فلسطين»، وأصدرته في طبعة خاصة عام 1999، قبل أن تصدر طبعته الثانية في عام 2008 عن مركز الحضارة العربية بالتزامن مع النزوح الفلسطيني الشهير من غزة إلى رفح المصرية في حادثة شهيرة ما تزال تلقي بظلالها على العلاقات المصرية الفلسطينية.
عشرات المقالات والموضوعات كتبتها عن القضية الفلسطينية خلال مسيرتي المهنية التي تجاوزت 30 عاما، أغلبها عن الاعتداءات الوحشية التي تتصاعد فيها الحماقة الإسرائيلية حيث يمارس جيش الاحتلال كل أشكال القهر والذل والمهانة ضد الشعب الفلسطيني، ويقابله صمت وعجز عربي ينتقل من جيل إلى جيل، كأنه تراث يخشى عليه أصحابه من الاندثار، حتى تضخم اليأس وهيمن على العقول العاجزة وبات سلوكا تقليديا في مجابهة وحشية العدو دون أدنى أمل في التغيير.
إلى أن هلّ «طوفان الأقصى»، فأعاد الروح إلى مشروع النضال والمقاومة من أجل الحق والعدل والخير، لهذا احتشدت ضده كل قوى الشر في العالم لدعم الكيان الصهيوني الذي بلغ به الجنون، فأطلق عملية عسكرية أسماها «السيوف الحديدية»، تحولت إلى حرب إبادة على سكان قطاع غزة (أكثر من 2 مليون فلسطيني)، تعلقت أرواحهم بخالقها تنتظر طلقات العدو الغادرة، ليسقط منهم كل لحظة شهيد جديد، وتتحول مدنهم وقراهم المحتلة إلى خراب ودمار، وتتزايد الجرائم المرعب التي تجاوزت فيها وحشية الصهاينة، أفران هتلر التي أدعوا أنهم حرقوا فيها كما راج في أسطورة (الهولوكست) المزعومة التي استثمرها الكيان الصهيوني وأسس عبر مظلوميتها، مشروع الوطن الدائم على أرض فلسطين المغتصبة.
مبكرا، ومنذ الطفولة أدركت أن فلسطين وقصتها ستكون محورا مؤثرا في حياتي وسنوات بلادي القادمة، رغم معايشتي لاحتفاء مصر الكبير بالسلام مع إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، وقتها أعلن الرئيس السادات أن أكتوبر 1973 ستكون آخر الحروب، عارجا إلى طريق السلام بعد أن حقق الجيش في عهده النصر العظيم.
كنت برغم ذلك استشعر أن هناك خطرا ما يزال قابعا على حدود مصر، ربما بسبب صورة العدو الغدار الذي رسخته جدتي في وجداني، بقصصها المؤلمة عن مدينة السويس أثناء وبعد النكسة، حيث كانت تعيش مع أبنائها. وحكاياتها المثيرة عن ألم تجربة التهجير الذي عاني منه أهل مدن القناة، بعد أن اضطرتهم ظروف الحرب للنزوح إلى القاهرة والدلتا هربا من القصف الإسرائيلي الإجرامي للمدنيين، ولم تنس أبدا أن تحكي قصة عمي الذي شارك في معركة النصر في أكتوبر 1973 وأخذ بثأرها وثأر كل السوايسة، وتختم وهي تغني أغنية محمد حمام «يا بيوت السويس» وتتساقط دموعها في شجن عميق.
وفي مطلع الثمانينيات، تابعت عودة ابن خالتي الطالب في كلية الهندسة بجامعة بيروت العربية، مصابا بـ«شظية»، لكنه بحمد الله نجا من نيران المعركة وفر من الحصار الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية، منه عرفت صورة القائد أبو عمار بلفحته الفلسطينية الشهيرة وهو يخرج إلى منفاه في تونس «منتصب الهامة»، كما تغنى مارسيل خليفة من أشعار سميح القاسم، في الأغنية المعروفة التي أصبحت نشيد المقاومة في كل زمان.
ويبدو أن حكايات الطفولة مهدت الطريق لــ«حنظلة» ليسكن قلبي وقلمي منذ أول إطلالة تعرفت فيها عليه مرسوما في واحدة من كبريات الصحف العربية، فقادني الفتى الفلسطيني المتمرد إلى صاحبه ومبدعه فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، ومنه عرفت واقع القضية بعد انكسارها في الشتات.
ثم التحقت مطلع التسعينيات بجامعة القاهرة وشاركت في أغلب مظاهرات الغضب التي خرجت تندد بوحشية إسرائيل وجرائمها التي لا تنتهي، برغم أن هذه السنوات وصفت بـ «عقد السلام»، من مدريد إلى أوسلو وصولا إلى كامب ديفيد، حيث تصافح عرفات ورابين، ليسقط رمز المقاومة الفلسطينية في فخ رئاسة السلطة بعد توقيعه ما سمي باتفاقية (غزة- أريحا)، وينال الشرف الأسمى بدخول البيت الأبيض مصافحا ساكنه بيل كلينتون. ليصل موكب السلام محطته الأخيرة في منفذ رفح البري وينتقل أبو عمار إلى غزة ومنها إلى الضفة، حيث استقر سنوات، مهدت للانقسام الفلسطيني والانتفاضة الثانية، حتى حاصرته إسرائيل ومات مسوما، وغابت القضية لكنها أبدا لا تموت.
خلال هذه التسعينيات كتبت ديواني الأول بمنطق وخيال «حنظلة» المصري، ونشرته بعنوان «حدوتة بنت اسمها.. فلسطين»، وأصدرته في طبعة خاصة عام 1999، قبل أن تصدر طبعته الثانية في عام 2008 عن مركز الحضارة العربية بالتزامن مع النزوح الفلسطيني الشهير من غزة إلى رفح المصرية في حادثة شهيرة ما تزال تلقي بظلالها على العلاقات المصرية الفلسطينية.
عشرات المقالات والموضوعات كتبتها عن القضية الفلسطينية خلال مسيرتي المهنية التي تجاوزت 30 عاما، أغلبها عن الاعتداءات الوحشية التي تتصاعد فيها الحماقة الإسرائيلية حيث يمارس جيش الاحتلال كل أشكال القهر والذل والمهانة ضد الشعب الفلسطيني، ويقابله صمت وعجز عربي ينتقل من جيل إلى جيل، كأنه تراث يخشى عليه أصحابه من الاندثار، حتى تضخم اليأس وهيمن على العقول العاجزة وبات سلوكا تقليديا في مجابهة وحشية العدو دون أدنى أمل في التغيير.
إلى أن هلّ «طوفان الأقصى»، فأعاد الروح إلى مشروع النضال والمقاومة من أجل الحق والعدل والخير، لهذا احتشدت ضده كل قوى الشر في العالم لدعم الكيان الصهيوني الذي بلغ به الجنون، فأطلق عملية عسكرية أسماها «السيوف الحديدية»، تحولت إلى حرب إبادة على سكان قطاع غزة (أكثر من 2 مليون فلسطيني)، تعلقت أرواحهم بخالقها تنتظر طلقات العدو الغادرة، ليسقط منهم كل لحظة شهيد جديد، وتتحول مدنهم وقراهم المحتلة إلى خراب ودمار، وتتزايد الجرائم المرعب التي تجاوزت فيها وحشية الصهاينة، أفران هتلر التي أدعوا أنهم حرقوا فيها كما راج في أسطورة (الهولوكست) المزعومة التي استثمرها الكيان الصهيوني وأسس عبر مظلوميتها، مشروع الوطن الدائم على أرض فلسطين المغتصبة.