زيد الفضيل

رسالة عربي لليهود العرب

السبت - 18 نوفمبر 2023

Sat - 18 Nov 2023

أشرت في مقالي السابق إلى أننا كعرب ومسلمين لم نكن ضد اليهود كدين وعرق، إذ لم يتعرض اليهود في أكبر البلدان العربية التي عاشوا فيها، وهي: اليمن والعراق ومصر والمغرب، لأي عنف واضطهاد ممنهج، أسوة بما تعرضوا له في أوروبا، فلم يتعدّ أحد عليهم، ولم تتم مصادرة أموالهم، أو التضييق عليهم في ممارسة عباداتهم، وظلت معابدهم قائمة على أصولها، بل أتاح العرب لهم الاستيطان في أحياء خاصة، بهم في ظل حماية الدولة والمجتمع.

في الوقت الذي عمد المجتمع الغربي إلى اضطهادهم وتعذيبهم والتنكيل بهم، وصولا إلى ازدرائهم العرقي حتى إنهم استثنوا اليهود من دخول بعض الأماكن التجارية من مطاعم وخلافه، وهو ما لم يحدث لهم في الوطن العربي بأكمله، الذي يجازونه اليوم بأسوأ جزاء، ودون عقل وحكمة.

ذلك أن الحكمة تقتضي أن يحسب يهود العرب لخط الرجعة، وهو أمر حتمي لمن وعى وتدبر، فالأمر لن يستقيم لهم في فلسطين المحتلة، طال الزمن أو قصر، ولن يجدوا ملجأ يركنون إليه في نهاية المطاف سوى الأرض العربية، لكنهم بغرورهم وتجبرهم قد أمعنوا في تقطيع أواصر الرحمة بينهم وبين العرب جُملة، بارتكابهم أبشع المجازر في حق أهلنا بفلسطين، وهو ما أثخن الجراح في نفس كل عربي حرّ، ومسلم أبيّ، وبالتالي فلن يكون باستطاعة النفوس العربية والمسلمة التي رأفت بهم، على امتداد تاريخهم، أن ترأف بهم مستقبلا، فهل يعي يهود العرب بخاصة هذا الأمر.

في هذا السياق، أشير إلى أن اليهود قد عاشوا في المغرب، ثم في الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليا) آمنين مطمئنين في كنف العرب المسلمين، الذين تزامن وجودهم مع تعرض اليهود لاضطهاد ملك القوط الكاثوليكي عام 700م، والذي فرض استعبادهم، فجاء العرب المسلمون لينقذوهم من ذلك، وليعيشوا حياتهم بعدئذ في كنف الدول العربية المسلمة في أمن وكرامة، حيث سمح لهم الإمام إدريس الثاني المتوفى عام 213هـ/828م بالإقامة والعمل في مدينة فاس، باعتبارهم أهل ذمة يجب حمايتهم ورعايتهم واحترام شعائرهم، ليستمر ذلك على امتداد الحكم العربي المسلم في المغرب، مرورا بالدولة السعدية التي بانتصارها في معركة وادي المخازن، حمت اليهود من جبروت ملك البرتغال سبستيان، الذي كان يزمع قتل جميع اليهود في المغرب، ثم حين سقوط فرنسا في يد ألمانيا النازية عام 1940م، وتعيين ألمانيا لحكومة فيشي على فرنسا، رفض الملك محمد الخامس إرادة الفرنسيين إرسال يهود المغرب إلى معسكرات الإبادة، ووقف أمام القوانين النازية لحكومة فيشي، واستطاع أن يحفظ لليهود أسس الحياة الدينية والمدنية؛ ثم وحال رغبتهم بالهجرة إلى فلسطين المحتلة قدم الملك محمد الخامس عرضا لهم، بمنحهم كل الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية في مقابل التوقف عن الهجرة إلى أرض فلسطين المحتلة، لكن ذلك لم يرق لليهود الذين عمدوا إلى الهجرة برعاية دولية.

كذلك الحال في اليمن، فقد عاش اليهود في أمن وأمان، حتى إنهم باتوا جزءا من الثقافة اليمنية التي ما فتئت مصاحبة لهم حتى وقتنا الراهن، وتم التعامل معهم وفق أحكام أهل الذمة التي كفلت لهم الحماية من أي اعتداء، بل وكانوا ضمن قائمة المشمولين بالحصانة بين القبائل اليمنية وفق العرف القبلي.

ولخصوصيتهم الدينية، فقد عاش اليهود أسوة بالمغرب وباقي البلدان العربية، في أحياء مستقلة، بعضها مسورة، كما هو الحال في اليمن والمغرب، وفي ظل إدارة شرعية مستقلة يرأسها الحاخام، الذي مثل اليهود في حضرة الإمام، وحال هجرتهم عام 1948م، تم تمكينهم من بيع ممتلكاتهم بشكل رسمي، فكان أن غادر يهود اليمن تاركين إرثهم الحضاري وأضرحتهم، ومن أشهرها ضريح الحاخام شالوم الشبزي الذي عاش في القرن الـ17م.

الأمر كذلك بمصر والعراق التي برز فيها كثير من الشخصيات اليهودية، وربطت بينهم وبين المجتمع المصري والعراقي أواصر التعارف والصداقة، كما هو الحال في اليمن والمغرب أيضا.

وكل ذلك حقيقة تم توثيقها في كثير من الدراسات والمقالات العلمية، منها دراسة للكاتب بعنوان «يهود اليمن النشأة والتكوين»، ومقالة علمية للدكتور خالد التوزاني بعنوان «الملاح: الحي اليهودي بمدينة فاس».

أخيرا، هي رسالة عربي لليهود العرب يبثها إليهم، وقد أثقله حجم الإجرام الممارس ضد شعب أعزل، مؤملا أن يفكروا بعقل، ويدركوا أن نظراءهم من يهود أوروبا (الأشكناز)، الذين يتولون السلطة بجبروت واستبداد، سيلقون بهم إلى التهلكة، فهم اليوم يترأسون الكيان الإسرائيلي، ويتمتعون بخيراته، ثم إذا جَدَّ الجَد، تركوا الأمر وهربوا إلى منتجعاتهم في أنحاء العالم، تاركين اليهود العرب (السفرديم) وحدهم يجرون أذيال الخيبة والذل، وفي هذه المرة لن يجدوا من يرحمهم، وتلك هي النبوءة النبوية، أقول ذلك: لعل وعسى، والله غالب على أمره.

zash113@