فصل الدين عن فلسطين
الخميس - 16 نوفمبر 2023
Thu - 16 Nov 2023
يرجع وجود التيار الديني (الإسلامي) في فلسطين إلى ما قبل النكبة، فقد انتشرت شعب جماعة «الإخوان المسلمين» في عدة مدن فلسطينية، وتوج هذا الوجود زيارة مرشد الجماعة حسن البنا إلى الأراضي الفلسطينية في إبريل عام 1948 قبل شهر واحد من إعلان دولة إسرائيل.
ثم قامت ثورة يوليو 1952 فجرى للإخوان في فلسطين ما جرى لهم في مصر، فانكمش التنظيم وتراجع دوره خلال سنوات الخمسينيات، ولم يستعد وجوده إلا بعد النكسة في عام 1967 مع سطوع نجم الشيخ أحمد ياسين كقيادي تنظيمي وخطيب مفوه، أسس الجمعية الإسلامية ثم المجمع الإسلامي، وكان له الدور البارز في تأسيس الجامعة الإسلامية، ثم بدأ التفكير للعمل العسكري.
حتى تبلور مشروع المقاومة القائم على إطار «أيدلوجي» ديني تتحكم فيه قوة عسكرية مع تدشين «حركة حماس»، التي ولدت عام 1987 من رحم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مؤكدة ولاءها الفكري الكامل لجماعة الإخوان مستكملة ما بدأه التنظيم بشعبة صغيرة تضم عدد محدود من الأعضاء، لتهيمن به على دولة (سلطة) بعد فوزها في أخر انتخابات تشريعية فلسطينية عام 2006، لتتمكن الحركة بعدها من إحكام السيطرة الكاملة على قطاع غزة، والتحكم في مصير أكثر من 2 مليون فلسطيني، وما تزال.
لا يمكن التعامل مع «حماس» بمعزل عن المشهد التأسيسي لهيمنة الفكر الديني على مفاصل المنطقة العربية بأكملها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، والذي أخذ منحى متصاعدا عقب اندلاع الثورة الإيرانية ثم سقوط حكم الشاه في فبراير عام 1979، ثم غزو القوات السوفيتية لأفغانستان في ديسمبر من نفس العام، لتتحول من بعدها كل من طهران وكابول إلى عاصمتي صناعة التطرف الديني وتصديره إلى عموم العالم برعاية أمريكية ومباركة غربية وتطلع إسرائيلي.
كنت منشغلا باستكمال بحثي في مسألة «تديين» الصراع العربي الإسرائيلي بين الجذور والمآلات، والذي أنشر بعض مقالاته تباعا في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية، وأناقشه كلما تيسر خلال لقاءات تليفزيونية تجريها معي بعض الفضائيات، عندما قاطعني برسالته المباغتة عبر تطبيق «messenger»: «هل أخطأت حماس؟».
عرفني باسمه ووظيفته حيث يعمل بمجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، شاب عربي أرهقته الفكرة والسؤال فقرر البحث عبر «google» عن إجابة بعد أن أغرقنا طوفان دماء الأبرياء وأظلم أيامنا باليأس والعجز، فضاعت نشوة النصر اللحظية التي أنارت طريق المقاومة ورفعت سقف الأحلام بعد السابع من أكتوبر الماضي، حتى اصطدم هو وكثيرون ببشاعة ما يجري لأهلنا وإخواننا في غزة المحتلة من إبادة جماعية وتهجير قسري، وتحولت همسات الاستفهام إلى صرخات لإدانة حماس، خاصة مع استمرار رحلة الآلام الغزاوية التي طالت بأكثر مما تحتمل قدرات البشر، وزادها قسوة مشاهد التغريبة الفلسطينية الثانية التي أدمت قلوب العرب والمسلمين.
ورغم أنني كنت أرى أنه من المبكر محاسبة الحركة أو تقييم نتائج «طوفان الأقصى»، إلا أن الرسالة التي وصلتني وطرحت السؤال الصعب، حملت لي أيضا ذكرى مهمة منحتني فرصة لتأمل الأمر والتفكير فيه بنظرة مختلفة، فقد أرسل لي الشاب رابطا الكترونيا لموضوع قديم كنت كتبته عام 2009، ونشرته في واحدة من كبريات الصحف العربية والدولية، وكان جزءا من سلسلة هامة عرضت فيها 3 كتب لمؤسس تنظيم الجهاد المصري السيد إمام (الدكتور فضل)، أثارت جدلا كبيرا وقت نشرها، كان أبرزهم كتابه الذي تناول فيه بالنقد والتحليل الشرعي موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال معركة الفرقان في ديسمبر عام 2008، والتي تعرف في الأدبيات الإسرائيلية بعملية «الرصاص المصبوب»، والتي سقط فيها أكثر من ألف شهيد وقرابة 4200 من الجرحى والمصابين من أهالي غزة.
ذكرني الشاب مؤكدا «إن الظروف تكاد تكون متطابقة»، ومستوضحا «كنت أحب أعرف، هل رأي حضرتك اليوم تغير، أم أن حماس أخطأت التقدير هذه المرة أيضا؟».
طالعت عناوين حلقة الكتاب المنشور في الصحيفة (اللندنية) الشهيرة بتاريخ 26 أبريل عام 2009: «منظر الجهاد المصري: مأساة غزة اليوم أن حماس تريد أن تنفرد بالقرار.. وعلى الآخرين سداد الفاتورة»، «الدكتور فضل: حزب الله وحماس أطلقا صواريخهما من وسط النساء والأطفال ليصنعا لنفسيهما بطولات على حساب هؤلاء، ثم صرخا.. أغيثوا غزة.. غزة منكوبة».
ثم توقفت أمام هذه الفقرة من إحدى حلقات كتاب منظر جماعة الجهاد، والتي نشرت قبل 14 عاما وكأنها مكتوبة اليوم «لفهم ما يحدث في غزة اليوم يجب رد الفروع إلى أصولها، فحماس التي تحكم غزة اليوم ما هي إلا فرع من جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر عام 1928. وبداية أقول: إنه لا توجد جماعة إسلامية من المعروفين في الدنيا اليوم قد وضعت قدمها بعد على بداية الطريق الصحيح لنصرة الإسلام وإعزازه، كلهم ـ ومنذ قرن من الزمان ـ يجربون أفكارهم في المسلمين ويعملون من أجل مصالح محدودة، فجلبوا الكوارث على المسلمين بسبب تقديم الرأي والهوى على الشرع».
ثم قامت ثورة يوليو 1952 فجرى للإخوان في فلسطين ما جرى لهم في مصر، فانكمش التنظيم وتراجع دوره خلال سنوات الخمسينيات، ولم يستعد وجوده إلا بعد النكسة في عام 1967 مع سطوع نجم الشيخ أحمد ياسين كقيادي تنظيمي وخطيب مفوه، أسس الجمعية الإسلامية ثم المجمع الإسلامي، وكان له الدور البارز في تأسيس الجامعة الإسلامية، ثم بدأ التفكير للعمل العسكري.
حتى تبلور مشروع المقاومة القائم على إطار «أيدلوجي» ديني تتحكم فيه قوة عسكرية مع تدشين «حركة حماس»، التي ولدت عام 1987 من رحم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مؤكدة ولاءها الفكري الكامل لجماعة الإخوان مستكملة ما بدأه التنظيم بشعبة صغيرة تضم عدد محدود من الأعضاء، لتهيمن به على دولة (سلطة) بعد فوزها في أخر انتخابات تشريعية فلسطينية عام 2006، لتتمكن الحركة بعدها من إحكام السيطرة الكاملة على قطاع غزة، والتحكم في مصير أكثر من 2 مليون فلسطيني، وما تزال.
لا يمكن التعامل مع «حماس» بمعزل عن المشهد التأسيسي لهيمنة الفكر الديني على مفاصل المنطقة العربية بأكملها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، والذي أخذ منحى متصاعدا عقب اندلاع الثورة الإيرانية ثم سقوط حكم الشاه في فبراير عام 1979، ثم غزو القوات السوفيتية لأفغانستان في ديسمبر من نفس العام، لتتحول من بعدها كل من طهران وكابول إلى عاصمتي صناعة التطرف الديني وتصديره إلى عموم العالم برعاية أمريكية ومباركة غربية وتطلع إسرائيلي.
كنت منشغلا باستكمال بحثي في مسألة «تديين» الصراع العربي الإسرائيلي بين الجذور والمآلات، والذي أنشر بعض مقالاته تباعا في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية، وأناقشه كلما تيسر خلال لقاءات تليفزيونية تجريها معي بعض الفضائيات، عندما قاطعني برسالته المباغتة عبر تطبيق «messenger»: «هل أخطأت حماس؟».
عرفني باسمه ووظيفته حيث يعمل بمجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، شاب عربي أرهقته الفكرة والسؤال فقرر البحث عبر «google» عن إجابة بعد أن أغرقنا طوفان دماء الأبرياء وأظلم أيامنا باليأس والعجز، فضاعت نشوة النصر اللحظية التي أنارت طريق المقاومة ورفعت سقف الأحلام بعد السابع من أكتوبر الماضي، حتى اصطدم هو وكثيرون ببشاعة ما يجري لأهلنا وإخواننا في غزة المحتلة من إبادة جماعية وتهجير قسري، وتحولت همسات الاستفهام إلى صرخات لإدانة حماس، خاصة مع استمرار رحلة الآلام الغزاوية التي طالت بأكثر مما تحتمل قدرات البشر، وزادها قسوة مشاهد التغريبة الفلسطينية الثانية التي أدمت قلوب العرب والمسلمين.
ورغم أنني كنت أرى أنه من المبكر محاسبة الحركة أو تقييم نتائج «طوفان الأقصى»، إلا أن الرسالة التي وصلتني وطرحت السؤال الصعب، حملت لي أيضا ذكرى مهمة منحتني فرصة لتأمل الأمر والتفكير فيه بنظرة مختلفة، فقد أرسل لي الشاب رابطا الكترونيا لموضوع قديم كنت كتبته عام 2009، ونشرته في واحدة من كبريات الصحف العربية والدولية، وكان جزءا من سلسلة هامة عرضت فيها 3 كتب لمؤسس تنظيم الجهاد المصري السيد إمام (الدكتور فضل)، أثارت جدلا كبيرا وقت نشرها، كان أبرزهم كتابه الذي تناول فيه بالنقد والتحليل الشرعي موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال معركة الفرقان في ديسمبر عام 2008، والتي تعرف في الأدبيات الإسرائيلية بعملية «الرصاص المصبوب»، والتي سقط فيها أكثر من ألف شهيد وقرابة 4200 من الجرحى والمصابين من أهالي غزة.
ذكرني الشاب مؤكدا «إن الظروف تكاد تكون متطابقة»، ومستوضحا «كنت أحب أعرف، هل رأي حضرتك اليوم تغير، أم أن حماس أخطأت التقدير هذه المرة أيضا؟».
طالعت عناوين حلقة الكتاب المنشور في الصحيفة (اللندنية) الشهيرة بتاريخ 26 أبريل عام 2009: «منظر الجهاد المصري: مأساة غزة اليوم أن حماس تريد أن تنفرد بالقرار.. وعلى الآخرين سداد الفاتورة»، «الدكتور فضل: حزب الله وحماس أطلقا صواريخهما من وسط النساء والأطفال ليصنعا لنفسيهما بطولات على حساب هؤلاء، ثم صرخا.. أغيثوا غزة.. غزة منكوبة».
ثم توقفت أمام هذه الفقرة من إحدى حلقات كتاب منظر جماعة الجهاد، والتي نشرت قبل 14 عاما وكأنها مكتوبة اليوم «لفهم ما يحدث في غزة اليوم يجب رد الفروع إلى أصولها، فحماس التي تحكم غزة اليوم ما هي إلا فرع من جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر عام 1928. وبداية أقول: إنه لا توجد جماعة إسلامية من المعروفين في الدنيا اليوم قد وضعت قدمها بعد على بداية الطريق الصحيح لنصرة الإسلام وإعزازه، كلهم ـ ومنذ قرن من الزمان ـ يجربون أفكارهم في المسلمين ويعملون من أجل مصالح محدودة، فجلبوا الكوارث على المسلمين بسبب تقديم الرأي والهوى على الشرع».