خالد العويجان

الخطاب وبنتاغون الشرق الأوسط

الثلاثاء - 14 نوفمبر 2023

Tue - 14 Nov 2023

معروف، الكلمة كالرصاصة.

بعضها قاتل أو إصابته مؤلمة.

والكلمة أيضا سلاح فتاك، سلاح أسواقه تعد على رأس الأصابع الواحدة، تتوافر تلك الأسواق في الدول الراجحة.

والرصانة صفة لا تباع ولا تشترى ولا تكتسب، إنما تولد مع الفرد ضمن صفاته الشخصية.

والحكمة كذلك والفصاحة، والهيبة، والحضور، كذلك والشجاعة والإقدام أيضا كذلك.
ومفردة (لا)، رغم تفاهتها، إلا أنها يمكن أن تقلب الموازين رأسا على عقب، في كل علاقات الحياة، في الحب والسياسة والعلاقات الإنسانية، وحتى العابرة، لا منبوذة، وتعيسة، ولها وقع في منتهى السوء والغباء.

والصوت العالي مرعب، والحجة أكثر رعبا.

والحقيقة مرّة، والصدق ناحر الأوردة، من الوريد للوريد، والاعتداد بالنفس قاموس كبير من الفروسية والشهامة.

والشهامة كما أسلفت لا تباع ولا تشترى، ولا تكتسب، إنما تولد مع الفرد.

والمسؤولية الأخلاقية عملة نادرة.

والكذب والتدليس، سادة المجالس، أيا كان نوعهما: اجتماعي أو سياسي.

والسكوت عن الحق خسة ودناءة شخصية، ونصرة المظلوم لها أشكالها التي تتوافر لدى البعض، وليس الجميع.

ما سبق محطات وأنفاق عبور، ما سبق عبارة عن خلطة بعضها مُحبط، وجزء يسير منها مصدر فخر.

وسألج إلى قصتي هذا الأسبوع بلا إطالة عليك صديقي القارئ.

يهمني بطبيعة الحال، الجزء اليسير الموصوف بالفخر، وذلك يمكن الاستدلال به، في الكلمة التي ألقاها ولي العهد في القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، التي بحثت العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.

أجزم أن وصف ولي العهد للعدوان على الشعب الفلسطيني، بـ«الحرب الشعواء»، لم يمر مرور الكرام، على تل أبيب، وعواصم غربية، على رأسها واشنطن؛ فمفردة «شعواء» ليست كما سابقاتها في الخطابات السعودية، لكن تم استخدامها لأسباب عدة:

الأول: قائم على فكرة الإقدام السعودي بمواجهة الآخر، وهذا ينبئ بتغيير في قواعد اللعبة فيما يتعلق المنهجية السياسية برمتها، ولا سيما المرتبطة بالدرجة الأولى بملفات المنطقة الحساسة.

فما يمكن سابقا أن يؤخذ على نحو يفترض الهدوء، وتقديم اللغة الدبلوماسية، جاء الوقت لاستبدال الخطاب، بناء على تسمية الأمور بمسمياتها.

لذا كان وصف الحرب على قطاع غزة بـ«الحرب الشعواء» حاضرا في خطاب المملكة.

ثانيا: أتصور أن هناك نقطة جاءت على لسان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، مرت مرور الكرام، دون النظر إليها بتمحيص يفترض عمقا وانتباها بقدر كبير.

ما هي؟ قال الأمير فيصل بن فرحان ـ وذلك للمرة الأولى ـ إن من بين الدول التي وقعت على البيان الختامي الصادر عن القمة، دولتين عضوتين في مجموعة العشرين.

ماذا تعني مجموعة العشرين أو «G20»؟ تعني أقوى اقتصادات العالم. وما تفسير ذلك؟.

إنها رسالة واضحة وصريحة، ولا سيما لبعض الدول التي تبرر لتل أبيب حملتها النارية، ومفاد تلك الرسالة أو مختصرها «احذروا»، اختبار صبر من يملكون مفاتيح اقتصادات العالم والطاقة.

دون أدنى شك، فإن الإجماع العربي هذه المرة ليس كما سبق، وحتى الصوت العربي ولغة الخطاب مع المجتمع الدولي لم تعد كما كانت.

وهذا نظير حجم الأزمة التي تشكلها الاعتداءات الإسرائيلية ضد قطاع غزة، والشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه.

إن الضمير الحي الذي جسدته بلادي منذ اندلاع الأزمة بين إسرائيل وقطاع غزة، لهو عبارة عن فكرة سعودية كبيرة، عنوانها العريض، (أخوة الدين واللسان والدم)، وهذا ما يُحتم عليها الاضطلاع بدور مسؤول كبير، أمام الملفات المرتبطة بالأزمات العربية، مع الاستعداد لتحمل الأعباء العائدة عن نصرة الأشقاء، أيا كانت كلفتها سياسة أو اقتصادية أو غير ذلك.

فالرياض التي تحولت إلى جاذبة للعالم من نواح عدة، أصبحت ذات صوت مدوٍّ في أرجاء العالم، وهذا ما تؤكده زيارات المسؤولين الغربيين لها، سواء قبل أو بعد اندلاع أزمة غزة.

يبقى القول، إن المجتمع الدولي الذي فشل في إيقاف آلة الحرب الإسرائيلي، والذي وصفه الخطاب السعودي بـ«المتقاعس والفاشل»، وتجاوز ذلك إلى مساندة تل أبيب حتى ولو بالخطاب الإعلامي، وإيجاد سبل لتبرير العدوان، سيقف يوما ما أمام مقصلة التاريخ، التي لا ترحم ولا تبقي ولا تذر، ليدفع ثمن تشريد الأطفال، وصرخات الثكالى والمكلومين.

فالصوت الذي جاء من عاصمة بلادي، ووجه إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي، لم يكن استعراضا للعضلات، بقدر ما هو تأكيد على أمرين:

الأول: فشل النظام والقانون الدولي المعمول به منذ عشرات السنين، لاعتماده سياسة ازدواجية المعايير.

والثاني: وهذا بالنسبة لي أهم، تجسيد المملكة لنصرة المظلوم وتحقيق العدل بكل ما تعنيه الكلمة، دون انتظار ثناء أو شكر من أحد، لسبب واحد فقط، أنها فعلا.. «بنتاغون الشرق الأوسط».