سعيد آل عاتق

المشاركة المجتمعية في التعليم.. إنتاج حلول مبتكرة

الاحد - 12 نوفمبر 2023

Sun - 12 Nov 2023

برغم الإنفاق السخي الذي تبذله حكومة المملكة العربية السعودية على التعليم والتدريب بكافة مؤسساته إلا أن الاستمرار في السياسات التمويلية الحالية بات صعبا وفقا لكثير من المؤشرات، وثمة حاجة ملحة إلى المراجعة والبحث عن حلول مبتكرة لتوسيع مشاركة القطاع الخاص والقطاع غير الربحي في التعليم وخدماته المساندة سواء التعليم العام أو التعليم الجامعي أو التدريب التقني والمهني.

في ضوء الضغط المستمر والطلب المتزايد على التعليم والتدريب بكافة المستويات والمسارات فإن وزارة التعليم بحاجة لاستشراف مستقبل الشراكة الذكية بأدوات مرنة وتمويل مستدام بما يحقق الكفاءة التشغيلية للوزارة ويرفع نسب الالتحاق مع زيادة جودة الخدمة التعليمية.

والمتابع للتطورات الحالية والمستجدات المتتابعة في الوزارة لا يجد صعوبة في ملاحظة التوجهات الإيجابية والخطوات الجادة نحو تمكين شراكة القطاع الخاص ومعالجة التحديات القائمة أمام المستثمرين، ولكننا لانزال نتطلع للتوجه الحقيقي نحو القطاع غير الربحي والشراكات المجتمعية، والاستفادة من التجارب الدولية وقصص النجاح العالمية وعلى مدار التاريخ في مشاركة المجتمع بمؤسساته وأفراده في تنمية وتمويل التعليم، يشهد التاريخ على المساهمات الكبيرة للمدارس والجامعات العريقة غير الربحية باختلاف وتعدد صيغ المشاركة سواء بالأوقاف التعليمية، أو الصناديق الأهلية أو الجمعيات أو المؤسسات غير الربحية، ومن تلك النماذج الشهيرة: جامعة هارفارد وجامعة أكسفورد وجامعة ييال وستانفورد وغيرها، وعلى المستوى العربي لا تغيب عنا جامعة الزيتونة وجامعة القرويين وجامعة الأزهر، أما على المستوى المحلي في بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية فإن المدارس والجامعات غير الربحية تمثل قصة نجاح حقيقة على مستوى الأداء التعليمي وجودة المخرجات وبأنماط تعليمية متعددة ومن أمثلتها (على سبيل المثال لا الحصر): جامعة الفيصل وجامعة عفت وجامعة الأمير سلطان وكليات الراجحي الطبية، وعلى مستوى التعليم العام فقد قدمت المدارس غير الربحية نماذج جديرة بالاهتمام مثل: مدارس الملك فيصل، مدارس مسك، مدارس الظهران، مدارس الفلاح، مدارس مداك وغيرها.

إن تحفيز الاقتصاد الاجتماعي من خلال حلول متعددة ومبتكرة ومستدامة يعزز من مشاركة الكيانات غير الربحية في الناتج المحلي، ويرفع مستوى جودة الخدمات ويحسن مستوى إدارة تلك الخدمات بما يرفع الكفاءة التشغيلية لوزارة التعليم، وبالتوسع مع منظمات القطاع غير الربحي وتفعيل الإسناد الحكومي للخدمات يمكن أن نرى قصص نجاح جديدة تضاف إلى مؤسسة مسك، ومداك، وموهبة، وتكافل.

ويمكن إعادة النظر في عناصر الاستثمار في التعليم وتصميم الصيغ الذكية للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي، مثل الأراضي التي تملكها وزارة التعليم، والمباني والمرافق المدرسية، والكوادر البشرية، والخدمات المساندة، والإدارة والتشغيل التعليمي، وبتعديلات في بعض اللوائح والتشريعات يمكن إنتاج نماذج عمل تحويلية تجمع بين الخصخصة والشراكة والاستثمار، مع أنواع من التمويل المستدام كالأوقاف أو الصناديق التعليمية أو الاستثمار الاجتماعي أو المنح التعليمية من المؤسسات المانحة أو الجمعيات التعاونية أو الرعايات والمسؤولية المجتمعية أو غيرها من مسارات التمويل المختلفة والتي لا ينقصها إلا وجود نظام بيئي لديه تشريعات ميسرة ومحفزة ترافقها سياسات حاكمة ولوائح منظمة للعمل، ومن وقت قريب شهدنا تحول ثلاث جامعات سعودية حكومية إلى جامعات غير ربحية وهي جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، ولعلنا نسعد بنماذج شبيهة في التعليم العام لنرى تنوعا ما بين مدارس حكومية ومدارس أهلية خاصة ومدارس استثمار اجتماعي ومدارس غير هادفة للربح ومدارس شراكة مجتمعية ومدارس جمعيات تعاونية، في فضاء من التنافس والإثراء التعليمي بين تقديم نمط المنهج الوطني أو المسار العالمي أو المدارس التخصصية.

إن بناء النظام التشريعي وإجراء بعض التعديات على مستوى السياسات سيحدث لنا تنوعا كبيرا في مؤسساتنا التعليمية ويفتح مجالات وآفاق واسعة لانطلاق المبادرات في كافة الاتجاهات في ظل حوكمة تضمن الجودة والالتزام ويرافقها تقييم وتحسين مستمر.

saeed_ateq@