التسامح الديني بين الحقيقة والواقع
السبت - 11 نوفمبر 2023
Sat - 11 Nov 2023
يحاول الغرب إظهار مبدأ العلمانية وفصل الدين عن معالم الحياة كواجهة لحضارته الحديثة بيد أن الواقع ينذر عكس ذلك، فالحضارات البشرية عموما ترتكز على عدة مقومات يأتي الدين في مقدمتها، العرب لم ينشئوا حضارتهم إلا بالدين الإسلامي والحضارة الصينية مرتبطة بالكونوفوشوسية، والحضارة الغربية ترتكز على الديانة المسيحية، لكن التساؤل العجيب الذي يحمله مقال اليوم عن مصداقية التسامح الديني لدى الغرب.
يأتي حديث اليوم استكمالا للمقال السابق حول الإعلام الغربي.. الاصطفاف الأعمى والمعايير المزدوجة، وتحديدا حول سر الاصطفاف الذي له علاقة بالتاريخ، فتاريخ اليهود في أوروبا هو تاريخ اضطهاد واستعباد من قبل الأوروبيين المسيحيين، وفي الماضي لم يعرف اليهود معنى التسامح الديني إلا خلال الحكم الإسلامي الأموي للأندلس!!، لكننا اليوم وفي ظل أحداث غزة الأخيرة نجد استنهاضا يهوديا لقيم الحضارة الغربية ضد ما يسمونه بالتخلف والرجعية، وفي المقابل نجد استجابة إعلامية مسيحية لا نظير لها في التاريخ الحديث!!.
في كتاب أوروبا تاريخ موجز للكاتب الأسترالي جون هيرست تفاصيل مهمة وراء هذا الارتباط الديني بين المسيحية واليهودية في العصر الحديث على الرغم من العداء التاريخي بينهما، ويقدم الكاتب أطروحته بأن الحضارة الغربية ارتكزت على ثلاثة أركان أساسية: الفكر اليوناني بما يحمله من الفلسفة الإغريقية ونظريات الهندسة الرياضية، والمسيحية الكاثولوكية وأفكارها الروحانية، وروح الشعوب الأوروبية المتحفزة للقتال والحروب.
نقطة التغير التاريخية حصلت وقت نشوء الإصلاح البروستاتي، وذيوع أفكار مارتن لوثر كينج، حيث بدأ التسامح الديني والعرقي ينتشر كثقافة بين الأوروبيين، وهنا وجد اليهود أنفسهم أمام فرصة تاريخية لن تتكرر فاستغلوها أعظم استغلال، حيث شرعوا بالانعتاق من قيود الاضطهاد المسيحي وبدؤوا بذكاء شديد بتعميق ثقافتهم وديانتهم اليهودية في أعماق الفكر الأوروبي المسيحي، وهنا ظهرت جماعات اللوبيات اليهودية داخل مراكز صناعة القرار، بيد أن النقطة الحاسمة في التاريخ اليهودي كانت بعد استقلال الولايات المتحدة وظهورها كواجهة حديثة للحضارة الغربية حيث استغل اليهود تدشين هذه البلاد الجديدة بتأصيل فكر ثقافي جديد يرتكز على تحويل الحضارة الغربية من حضارة مسيحية إلى حضارة يهودية مسيحية، وهنا بدأت الديانتان تلوحان للعالم كمتلازمة ثنائية في واقع التاريخ الحديث.
ذكر المؤلف أن الحضارة الغربية تأسست على الفكر الإغريقي القديم، فهي حضارة أفكار ورؤى، وهذا سر من أسرار قوتها؛ لأنها لا ترتكز على أديولوجيا عقيمة تعيق تحركاتها، ولو فتشنا عن الأعلام المفكرين في تاريخ الحضارة الغربية لوجدنا نسبة كبيرة منهم ينتمون إلى الديانة اليهودية، ولا شك أن هؤلاء أسهموا بشكل كبير جدا في تعميق ثنائية المسيحية اليهودية كمرتكز ديني للحضارة الغربية بدلا من المسيحية لوحدها.
صحيح أن الحضارة الغربية أمدت العالم بمكتشفات علمية ومخترعات عظيمة منحت البشر أبعادا مختلفة في التقدم والازدهار بروحها العلمية التي ترتكز على الأفكار المبدعة إلا أن لهذه الروح جانب مظلم، وهو جانب التعالي والالتفاف على المبادئ التي يجعجعون بها!!، يروجون في إعلامهم وكتاباتهم عن التسامح الديني كحل حضاري تجاه الاصطدامات الدينية بيد أن ما يجري اليوم في غزة من ظلم وجور ضد العزل وقتل للأبرياء بهذه الطريقة الوحشية ينم عن تلاحم هذه الثنائية الدينية ضمن إطار الحضارة الغربية ضد المبادئ التي يروجون لها (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
albakry1814@
يأتي حديث اليوم استكمالا للمقال السابق حول الإعلام الغربي.. الاصطفاف الأعمى والمعايير المزدوجة، وتحديدا حول سر الاصطفاف الذي له علاقة بالتاريخ، فتاريخ اليهود في أوروبا هو تاريخ اضطهاد واستعباد من قبل الأوروبيين المسيحيين، وفي الماضي لم يعرف اليهود معنى التسامح الديني إلا خلال الحكم الإسلامي الأموي للأندلس!!، لكننا اليوم وفي ظل أحداث غزة الأخيرة نجد استنهاضا يهوديا لقيم الحضارة الغربية ضد ما يسمونه بالتخلف والرجعية، وفي المقابل نجد استجابة إعلامية مسيحية لا نظير لها في التاريخ الحديث!!.
في كتاب أوروبا تاريخ موجز للكاتب الأسترالي جون هيرست تفاصيل مهمة وراء هذا الارتباط الديني بين المسيحية واليهودية في العصر الحديث على الرغم من العداء التاريخي بينهما، ويقدم الكاتب أطروحته بأن الحضارة الغربية ارتكزت على ثلاثة أركان أساسية: الفكر اليوناني بما يحمله من الفلسفة الإغريقية ونظريات الهندسة الرياضية، والمسيحية الكاثولوكية وأفكارها الروحانية، وروح الشعوب الأوروبية المتحفزة للقتال والحروب.
نقطة التغير التاريخية حصلت وقت نشوء الإصلاح البروستاتي، وذيوع أفكار مارتن لوثر كينج، حيث بدأ التسامح الديني والعرقي ينتشر كثقافة بين الأوروبيين، وهنا وجد اليهود أنفسهم أمام فرصة تاريخية لن تتكرر فاستغلوها أعظم استغلال، حيث شرعوا بالانعتاق من قيود الاضطهاد المسيحي وبدؤوا بذكاء شديد بتعميق ثقافتهم وديانتهم اليهودية في أعماق الفكر الأوروبي المسيحي، وهنا ظهرت جماعات اللوبيات اليهودية داخل مراكز صناعة القرار، بيد أن النقطة الحاسمة في التاريخ اليهودي كانت بعد استقلال الولايات المتحدة وظهورها كواجهة حديثة للحضارة الغربية حيث استغل اليهود تدشين هذه البلاد الجديدة بتأصيل فكر ثقافي جديد يرتكز على تحويل الحضارة الغربية من حضارة مسيحية إلى حضارة يهودية مسيحية، وهنا بدأت الديانتان تلوحان للعالم كمتلازمة ثنائية في واقع التاريخ الحديث.
ذكر المؤلف أن الحضارة الغربية تأسست على الفكر الإغريقي القديم، فهي حضارة أفكار ورؤى، وهذا سر من أسرار قوتها؛ لأنها لا ترتكز على أديولوجيا عقيمة تعيق تحركاتها، ولو فتشنا عن الأعلام المفكرين في تاريخ الحضارة الغربية لوجدنا نسبة كبيرة منهم ينتمون إلى الديانة اليهودية، ولا شك أن هؤلاء أسهموا بشكل كبير جدا في تعميق ثنائية المسيحية اليهودية كمرتكز ديني للحضارة الغربية بدلا من المسيحية لوحدها.
صحيح أن الحضارة الغربية أمدت العالم بمكتشفات علمية ومخترعات عظيمة منحت البشر أبعادا مختلفة في التقدم والازدهار بروحها العلمية التي ترتكز على الأفكار المبدعة إلا أن لهذه الروح جانب مظلم، وهو جانب التعالي والالتفاف على المبادئ التي يجعجعون بها!!، يروجون في إعلامهم وكتاباتهم عن التسامح الديني كحل حضاري تجاه الاصطدامات الدينية بيد أن ما يجري اليوم في غزة من ظلم وجور ضد العزل وقتل للأبرياء بهذه الطريقة الوحشية ينم عن تلاحم هذه الثنائية الدينية ضمن إطار الحضارة الغربية ضد المبادئ التي يروجون لها (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
albakry1814@