هل هي حرب دينية؟
الخميس - 09 نوفمبر 2023
Thu - 09 Nov 2023
ألح السؤال وفرض نفسه، ثم تعالت الأصوات بإجابات متناقضة وكاشفة عن عجز حقيقي لفهم الأبعاد الكاملة لهذا الصراع التاريخي بين العرب وإسرائيل، هل هو صراع استعماري أم حضاري، أم هي فعلا حرب دينية، بشرت بها الأديان السماوية ومهدت لها تفاسير متعددة واستدعاها ساسة من الطرفين، ليصبح الإسلام في هذا العصر أمام مواجهة دموية مع اليهودية، مثلما كان وما يزال في مواجهة دامية مع المسيحية الغربية، وهي المعركة التي جددها جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، مستدعيا صفحة من أخطر صفحات التاريخ، حيث قال الرئيس الأمريكي وقتها: «هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب ستأخذ بعض الوقت»، لتولد من بعده فكرة «رهاب الإسلام»، أو «الإسلاموفوبيا» التي دمجت بين الإسلام والإرهاب، وخلقت شبحا خرافيا يطارده العالم في حروب مختلقة ومستمرة، وتأصل المصطلح وأصبح ظاهرة برغم كل ما بذله علماؤنا لتصحيح هذه الفكرة المغلوطة ومحاولة وضع الدين الحنيف في سياق يليق به بعيدا عن ترهات الغرب وبعض أتباعه في الشرق.
ومثلما فعلتها أمريكا قبل أكثر من 20 عاما، تكررها اليوم ربيبتها إسرائيل، التي استغلت زلزال «طوفان الأقصى» وما أحدثه من تداعيات شرخت المجتمع الإسرائيلي وأعمت حكومته وجيشه، فأخرج رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بنيامين نتنياهو، «كتاب الدين» ورفع «سفر إشعياء» على فوهات المدافع واعدا بتحقيق نبوءته، ليعلنها حربا دينية، مجددا الاشتباك مع محيط بلاده العربي والإسلامي برفع لافتة «إسرائيل الكبرى» الحلم الذي سوقت به الحركة الصهيونية مشروعها الاستعماري وباعته ليهود العالم، وكان الحافز والمحرك الذي داعب خيال السذج منهم، بعد أن حاصرتهم كلمات الدعاية الجذابة «شعب الله المختار»، و«أرض الميعاد»، وغيرها من الشعارات التي قامت على أكتافها دولة إسرائيل المحتلة، وما تزال تستخدمها لتحافظ على مشروعها الذي كادت المقاومة الفلسطينية أن تفسده عليها في السابع من أكتوبر الماضي.
وكان نتنياهو يتحدث تليفزيونيا عقب اجتماع وزاري عن حسم العملية البرية على غزة، حين اختتم قائلا: «الآن هو الوقت المناسب للاجتماع من أجل هدف واحد، للمضي قدما بسرعة لتحقيق النصر، وبقوتنا الجماعية وإيماننا العميق بصلاحنا وخلود الشعب اليهودي، سنرى نبوءة إشعياء ضد حماس. نحن أهل النور، وهم أهل الظلمة، سوف نحقق نبوءة إشعياء».
فيما أثار السيناتور الأمريكي الجمهوري، ليندسي غراهام ضجة عقب تصريحات تليفزيونية لقناة «فوكس نيوز» تطرق فيها للأحداث في إسرائيل وغزة، قائلا «نحن في حرب دينية»، داعيا إسرائيل إلى «تسوية الأرض» للدفاع عن نفسها، بينما سبقه الرئيس الأمريكي وعدد من حلفائه من رؤساء العالم الغربي في دعم إسرائيل دعما سخيا في حربها على ما سمته إرهابا فلسطينيا.
و«سفر إشعياء» الذي توعد نتنياهو بتحقيق نبوءته، وصفته «موسوعة المعارف البريطانية» بأنه «واحد من أعمق الأعمال اللاهوتية والأدبية التعبيرية في الكتاب المقدس»، فيما أوضحت وحدة اللغة العبرية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف بحسب موقع «اليوم السابع»، أن نبوءة إشعياء تتألف من 66 إصحاحا، ويعود تاريخها إلى القرون الأولى قبل الميلاد، أما إشعياء فقد كان نبيا يهوديا بارزا في المملكة الجنوبية ليهوذا، وهو أحد أبناء النبي يعقوب (إسرائيل)، وقد جرى توثيق نبوءاته في سفر إشعياء في التناخ (كتاب اليهود المقدس)، وتتميز نبوءة النبي إشعياء بتنوعها وشموليتها، فهي تغطي عددا من التطورات التاريخية المحتملة، والتي تحقق بعضها سواء في الحروب او الصراعات، وكان أكثر ما أثار جدلا هو مصير مصر في هذه النبوءة.
وفي ختام الجزء الأول من المقال، مهم أن نتوقف عند محاولات بعض المحسوبين (خطأ) على تيار التنوير إلى نزع «الدينية» عنوة عن الصراع العربي الإسرائيلي، رغم ما فرضته علينا الحركة الصهيونية منذ تأسيسها عندما وضعت اليهودية في مواجهة الإسلام، وهو ما استدعى جهدا ومحاولات من مفكرينا وخاصة علماء الدين، لخلق حائط صد ديني للدفاع عن الأمة، يستند على تفسيرات عصرية لنصوص القرآن، راج بعضها بعد نكبة 1948 عند كثير من الشعوب العربية الإسلامية ولم ينتبهوا وقتها إلى الحاضن الحقيقي لهذا التوجه الديني حتى ابتلع تياره المقاومة والقضية، وعندما وصلنا إلى لحظة الانفجار العظيم، وأغرقنا طوفان الأقصى في تداعياته وأسئلته، مخلفا وراءه علامة استفهام كبيرة تتعلق بحركة حماس وانتمائها الإخواني الأصيل، وقفت الأمة الإسلامية تعاني فصاما حقيقيا في تفاعلها مع الأزمة، لم يتخلف أحد عن الإغاثة الإنسانية للأشقاء في غزة، لكن ظهر خلاف حول جدوى الطوفان وأثاره، وتأرجحت الأمة بين الدين والسياسة، في الوقت الذي استعادهما نتنياهو في قبضة يد واحدة ودمجهما، وأحيا تفسير أجداده لسفر إشعياء وقذف به صاروخا شطر به العقل العربي المسلم إلى ضدين.