فهد عبدالله

الصلابة الشخصية

الأربعاء - 08 نوفمبر 2023

Wed - 08 Nov 2023


تمر علينا أحداث متعاقبة في الحياة اليومية، وطبيعة الإنسان أن يتفاعل معها بردة الفعل التي تعبر عن حالته الذهنية والأخلاقية والنفسية، وحتى ردة الفعل الساكنة أو خيار الصمت تجاه الفعل، هي ردة فعل يمكن أن تعبر عن الإنسان وطبيعته في تلك اللحظات.

وأكبر عامل مؤثر في شكل ردود الأفعال الإيجابية أعتقد أنه يرجع الى أمرين: الرؤية الصحيحة من جميع الجوانب للأحداث، والضبط النفسي المتزن الذي يتوافق مع ردة الفعل المناسبة في الوقت المناسب وبشكل مناسب، وقد ننعتها بأنها ضرب من ضروب الحكمة.

وهناك بعد آخر في مثل هذه المسائل الجدلية بين الفعل وردة الفعل، أعتقد أنه يرتقي بالإنسان إلى مستوى أكثر ارتفاعا من العيش في هذه العلاقة الخطية، وهو الانشغال بالنفس والعقل تنويرا وتصحيحا، خلال الاستجابة تجاه الأحداث التي تمر بنا، فالذي ينشغل في تتبع الدروس المستفادة وملاحظة أخطائه أو حتى الأخطاء المجاورة، وماذا يمكن لها أن تفعل كتأثير إيجابي على الصعيد الشخصي في تحسين عمليات التفكير أو التصحيح السلوكي، ستكون بمثابة زيادة وتيرة التسارع في ذلك الطريق الطويل الذي يفضي إلى النضج الشخصي.

كثيرة هي المواقف التي يميل فيها الشخص الى استنطاق أسباب غالب الأحداث بأنها أسباب خارجية، وأن الآخر أو المنظومة أو النظام هو السبب الجذري لتلك الأحداث، بينما حالة من الكسل الذهني قد تحدث عند مجرد التفكير عن ماهية المدخلات الشخصية التي قد أكون أنا سببا فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد يعزز هذا الجانب حالة التفكير المثالية التي دائما تنزع بأن تنهض بالحالة الواقعية لتكون كتلك الصورة المثالية الموجودة في الخيال الشخصي، مما يجعل العقل في حالة استفزاز ذهني، وممارسا باحتراف للعبة البحث عن الكنز (الأخطاء)، الذي عادة يكون في الأعماق ومتواريا عن الأنظار.

دائما دوافع الاتزان تخلق في الذهن آليات تفكير سليمة في فهم الأفعال وردودها، سواء كانت أسبابها خارجية أو داخلية وفي الغالب دوافع الاتزان كما تهذب العقل أيضا تهذب السلوك في معرفة جوانب التقصير الداخلية والاعتراف بها، وتهذيبها والتلطف في تعديل تلك الأسباب الخارجية.

والموفق من كان ينظر في دائرة التأثير الخاصة به وكيف يمكن له خلالها أن يعمل كل التصحيحات المطلوبة، وهذا التوجه أكثر نفعا وجدوى لأنه بالإمكان خلاله أن تكون هناك أقوال وأفعال تصحيحية، بينما ما يقع خارج دائرة التأثير سيكون مبلغ التصحيح فيها محصورا في الأماني والأقوال. والله ـ سبحانه وتعالى ـ قال في مثل هذا السياق: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا).

فالانشغال بالشأن الداخلي أكثر جدوى من تتبع كل تلك الأسباب والعوامل الخارجية.

هي ليست قاعدة يمكن إسقاطها على كل الأحداث، فبالتأكيد لكل حدث مدخلاته وإحداثياته الخاصة، ولكن في المجمل الميل إلى الانشغال بالشأن الداخلي في النظر في الأفعال وردودها، وما لها من أثر إيجابي للنمو الشخصي ليس فقط يجعل عملية النضج متسارعة، بل يضفي إليها بعدا طويل الأجل، وهو المناعة القوية القادرة على طرد كل تلك الفيروسات التي تريد أن تهدد كيانك الداخلي، فيضعف تأثير الأسباب الخارجية في التعامل مع الأحداث.

ويوما بعد آخر تتضح ملامح صلابة الشخصية الفكرية والنفسية.



fahdabdullahz@