وسائل الإعلام وإنفاق الإعلان: المعلومة والرأي
الاثنين - 06 نوفمبر 2023
Mon - 06 Nov 2023
رغم إسناده الضعيف، إلا أن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: «الحكمة ضالة المؤمن، حيثما وجد المؤمن ضالته فليجمعها إليه»، أو حتى نسبها كمقولة لسيدنا علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ فيما بعد، لا يتعارض مفهومها - بإذن الله - مع صحة مضمونها وسلامة منطقها.
تذكرت ذلك عند الحديث عن العلم والعلماء وما تقتضيه دراسة العلوم بكل أنواعها المختلفة.
العلوم الدينية الشرعية بتخصصاتها المتعددة، والدنيوية الحياتية، سواء كانت الطبيعية البحتة أو ما يطلق عليها العلوم الصلبة، أو الإنسانية الاجتماعية أو ما يطلق عليها العلوم الرخوة أو الأقل صلابة.
وقد ذكر الباحثون والعلماء أن من أهم شروط العلم أمورا عدة، أهمها ما يلي:
1 - ضرورة وجود المجال المحدد أو الإطار للبحث المعرفي، دون تداخل لمضمون أو محتوى العلم المراد التخصص فيه، أو دراسته أو بحثه.
2 - اتباع منهجية علمية في الرصد والتحري، والبحث والاستقصاء، والاستقراء والاستنتاج والإثبات، في الاستطلاع والاستكشاف والوصف والعلاقات السببية، في المجال أو التخصص كليهما.
3 - وجود مفردات خاصة أو مصطلحات تخصصية يتميز بها هذا العلم أو المجال دون غيره.
وتمثل المعلومة نقطة الارتكاز الأساسية المتحصلة عادة كنتيجة للبحث والتحصيل والدراسة والإثبات والتمحيص.
وتعد المعلومة - على هذا الأساس - ضالة الدارس والباحث والعالم في أي موضوع أو مجال أو تخصص.
ويجب التفريق هنا بين المعلومة والرأي.
المعلومة أقرب إلى التجرد المعرفي للحقيقة، في حين أن الرأي أقرب للذاتية أو التوجه أو النتيجة البحثية، قبل التجرد قربا أو بعدا من الحقيقة ذاتها والتوصل إليها في حين ما، وليس امتلاكها للأبد.
وهناك خصائص عدة يجب أن تتمتع بها أي معلومة، أهمها: الصحة والدقة والصلاحية (الزمانية والمكانية والمنطقية)، وكذلك الموثوقية والاعتمادية قبل الأخذ بها في تبني أي وجهة نظر، أو رأي أو موقف أو اتجاه.
وفي غياب المعلومة أو نقصها أو ربما تحيزها، غالبا ما يضلل الباحث والدارس والعالم في الوصول لحقيقة أي أمر، ثم اختيار التوجه أو الموقف المناسب لرأيه الشخصي أو وجهة النظر الذاتية أو العامة فيما بعد.
لقد أصبحت المعلومة المعرفية في عالمنا المعاصر عنصرا من عناصر القوة ولا يستهان بها.
وللأسف الشديد، ورغم أنها تبدو متاحة أكثر الآن، إلا أن عالمنا العربي لا يزال يعاني غيابا أو ضعفا أو عدم تحديث المعلومة بشكل عام.
وإن وجدت المعلومة نجدها تعاني من عدم تحقيق كثير من الشروط والخصائص المطلوبة سالفة الذكر.
كان لا بد من ذكر تلك المقدمة - غير القصيرة - حول العلم والمعلومات تأسيسا لما قد يلي، تأسيا بفكر العلماء والباحثين والدارسين لأي علم أو تخصص أو مجال. ولعل الأمر يزداد صعوبة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، أو ما توصف دائما بالعلوم الرخوة أو الأقل صلابة، ولعل تخصصي الإعلام والإعلان من أشد التخصصات أو المجالات معاناة في هذا الجانب، علاوة على أن التكلفة المادية الباهظة للاستحصال على المعلومات بشكل منتظم ومستدام وتحديثها أول بأول. وقصة دراسات وسائل الإعلام إعلاميا وإعلانيا، قصة مليئة بالأشواق والأشواك قبل الورود والأمنيات الطيبة.
رحلة تتجاوز قرابة النصف قرن تقريبا من منتصف السبعينات إلى يومنا هذا. قصة يطول سردها وشرحها، ذكرت بعضا من أنوارها وظلماتها فيما سبق من مقالات.
بالتأكيد، هناك كثير من المواقع المتخصصة في الإعلان تحديدا، مثل:
Statistsa, WARC , IPSOS , PARC، وغيرها. ولكن جميعها لا يمكنك الحصول على المعلومة إلا باشتراكات أو سداد مبالغ باهظة.
لذا، لزم متابعة المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة المحكمة أو غير المحكمة. ولعل هذا المقال أحد المصادر بإذن الله.
وقد نشرت في المقال السابق المعلومات المتاحة عن الإنفاق الإعلاني في العالم العربي، وفي منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا MENA، وتحديدا في 2021. إلا أنه تيسّر لي فيما بعد تحديث تلك المعلومات لـ2022، ومن المصدر السابق نفسه.
كتب إيلي عون، الرئيس الإقليمي لشركة ابسوس العالمية (IPSOS) مقالا مطولا حول هيكلية الإنفاق الإعلاني في المنطقة العربية MENA لـ2022. نشر المقال في عدد مجلة عرب اد Arab Ad في يونيو 2023.
وقبل استعراض هذه النتائج لا بد من استدراك خطأ مطبعي غير مقصود، وهو أن مجموع الإنفاق الإعلاني = مجموع المساحات الإعلانية X أسعار الإعلانات.
وليس كما ورد بالخطأ في المقال السابق مجموع (أي أن علامة +) الواردة في المقال السابق كانت خاطئة.
وبالرجوع إلى المصادر العالمية المعتبرة يقدر إجمالي الإنفاق الإعلاني العالمي بحدود 781 بليون دولار أمريكيا في 2022، بزيادة بنسبة 8% عن العام السابق 2021، والذي قدر بحدود 723 بليون دولار أمريكي، وبزيادة قدرت بنسبة 16% عن العام الأسبق 2020، (عام ما بعد كورونا) والذي بلغ الإنفاق الإعلاني خلاله 623 بليون دولار أمريكي. أي أن الزيادة المضطرة خلال عامين، وبعد التعافي النسبي للإنفاق العالمي للإعلان بعد كورونا، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المضطربة عالميا، وبعد كورونا وأزمة روسيا وأوكرانيا، بلغت خلال عامين ما نسبته 24%، وهي زيادة مرتفعة نسبيا إلا أنها مبررة بالطبع. ويقدر صافي هذا الإنفاق بعدم خصم 40% للخصومات والعمولات والحوافز، وفقا للعرف المهني المتداول عالميا لكل من المعلن والوكالة الإعلانية على حد سواء. لذا، يقدر صافي الإنفاق الإعلاني العالمي في حدود 469 بليون دولار أمريكيا في 2022.
ولا تزال إبسوس تصر على أن إجمالي الإنفاق الإعلاني للوسائل في المنطقة العربية، يرزح في خصومات وعمولات للمعلن والوكالة الإعلانية تصل إلى 80%، أي ضعف المتعارف عليه مهنيا وعالميا.
ويعود ذلك إلى أسباب عدة، أهمها غياب المعلومات الصحيحة والدقيقة والمدققة والموثوقة والمعتمدة من الصناعة الإعلانية، كعملة موحدة One Currency في المنطقة العربية.
ويقدر صافي الإنفاق الإعلاني في المنطقة العربية بعد الخصومات والعمولات والحوافز، والذي تقدر نسبته وفقا لشركة إبسوس بـ20% فقط من إجمالي الدخل الإعلاني، بحوالي 5821 مليون دولار أمريكي، مقسما بما قيمته 3023 مليون دولار أمريكي، أي ما نسبته 52%، وفي ذلك ارتداد للمقدمة للوسائل التقليدية غير الرقمية، بعدما حظيت بالمرتبة الثانية في2021. أما الوسائل الرقمية بقيمة تصل 2798 مليون دولار أمريكي، أي ما نسبته 48%، وفي ذلك ارتداد عكسي لها أو تراجع للمرتبة الثانية.
ورغم الزيادات الملحوظة في معظم الوسائل التقليدية غير الرقمية، إلا أنه من الواضح تسيد كل من التلفزيون والإعلانات الخارجية للمشهد الإعلاني في 2022، بنسب 22% و21% على الترتيب والتوالي.
وهذه نسب مرتفعة نسبيا خلال عام واحد فقط.
لقد نافست الوسائل الرقمية الوسائل غير التقليدية بشكل مضطرد، رغم تداخل بعضها البعض أحيانا.
وفيما يلي توضيح لبيان جدول صافي الإنفاق الإعلاني للمنطقة العربية عبر الوسائل الإعلامية والإعلانية المختلفة خلال 2022.
وبالنظر إلى الجدول أعلاه، أيضا، نجد أن الصحف اليومية تظل تعاني، خصوصا مع الإصرار على فصلها عن المجلات، وكلاهما وسائل مطبوعة ورقية كانت أو بعضها رقمية. وينشط الردايو ليتقدم الوسائل المتأخرة.
وتبرز السينما منافسا أقوى للمجلات التي لا تزال تقبع في ذيل قائمة الوسائل منذ العام الماضي.
وقد تم توزيع صافى الإنفاق الإعلاني وفقا لتقرير في المنطقة العربية وشمال أفريقيا، والمشار إليه أعلاه على النحو التالي:
وبمراجعة هذا التوزيع، نجد ما يلي من أبرز الملاحظات المهمة:
1 - عودة الوسائل السعودية المحلية مجددا، وللمرة الثانية على التوالي، إلى صدارة الإنفاق الإعلاني بنسبة 30% وحدها.
2 - تراجع الوسائل المحلية في الإمارات المتحدة للمرة الثانية مجدد على التوالي، إلى المرتبة الثانية بنسبة 22%، بعد تصدر دام قرابة العقد للوسائل الإعلانية المحلية العربية.
3 - يظل لغز الوسائل عبر الدول العربية مستمرا، والتي الغالبية العظمى منها استثمارات سعودية بنسبة تزيد 90%، يتأرجح بين المرتبة الثالثة أو الرابعة، ودون تبرير لوجوده وعدم ضمه الوسائل المحلية السعودية، خاصة أنه موجه في الأساس للسوق السعودي في المقام الأول.
4 - وفي حال ضم الوسائل عبر الدول العربية والوسائل السعودية المحلية، يحصل السوق السعودي وحده على ما نسبته 41% من إجمالي الانفاق الإعلاني لـ2022، وهي نسبة مستحقة وتتماشى مع اقتصادات السوق السعودي في المنطقة العربية ككل.
5 - هناك تحسن نسبي ملحوظ للسوق المصري إعلانيا بنسبة 10%، ويعول على استمرارية هذه الزيادة، خاصة بعد أن فقد السوق المصري نسبة تقدر بحوالي 50% في العقد السابق، نتيجة اضطرابات ما أطلق عليه بالربيع العربي، وعادة ما يتوقع تقدمه من المرتبة الثالثة لاحتلال المرتبة الثانية بشكل طبيعي مضطرد، وفي ظل تحسن الأوضاع الاقتصادية في الأعوام القادمة.
6 - أحسنت إبسوس بسحب تركيا وإيران من تقرير هذا العام 2022، وإن أصرت على إبقاء الوسائل عبر آسيوية، رغم تدني نسبتها لأقل من 0.4% والموجه لغير العرب أصلا.
في الختام، يعول كثيرا على نمو الإنفاق الإعلاني في العالم العربي خلال الأعوام القادمة، بإذن الله، كنتيجة طبيعية للاستقرار السياسي المستمر والتنمية الاقتصادية المستدامة، ورؤى وخطط المنطقة، خاصة في المملكة العربية السعودية ورؤية 2030، والتي تحقق الكثير من إنجازاتها باستباقية متقدمة، ولله الحمد والفضل والمنة.
وننتظر ـ بإذن الله ـ المزيد في السنوات القليلة القادمة لإرهاصات رؤية مستقبلية جديدة تعلن خلال عامين أو ثلاث قادمة.
ونستبشر خيرا أكثر في رؤية 2040، والقادم إن شاء الله دائما أروع وأجمل وأحلى. ودام عز المملكة العربية السعودية، وكل الدول العربية.
aabankhar@