شاهر النهاري

كفرت بأمريكا!

الاثنين - 06 نوفمبر 2023

Mon - 06 Nov 2023


والكُفر إنكار وعدم تصديق المفهوم والقيمة والقدرة والرجاحة والعدالة والمصداقية، وهو وصف حال من يخرج من معتقد معين كان يؤمن به في السابق، وأنا أصر على الكفر بأمريكا، حتى لو كان جزاء ذلك الإبعاد عن الرحمة، والعقاب الشديد وعدم الغفران.

نعم، لقد كفرت بمعتقد ديمقراطية كنت أظنها طريق خلاص عقلاء البشرية، للبعد عن دروب التيه والغي والظلم والعنصرية والكيل بمكيالين، ولكنها تكشفت في عيني ويقيني ومنطقي عكس كل ذلك.

لقد كفرت بديمقراطية الحزبين الحاكمين: فيلهم وحِمارهم، الداخلَين على بعضهما بكامل معاني التشكيك والعداء والتحزب والجحف، مبتعدان عن المنطق إلى دنيا صلف وغرور وضبابية تذبح خراف التعقل، وتنتهك مصالح وقيم الإنسان، تبعا لتحزبه.

لقد كفرت بديمقراطية كانت قد أدهشتنا وسحرتنا في بداياتها بدعايات هوليودية للعدالة والحرية، كنا ننتقص عقل من يشكك فيها، أو يلحد بوجودها، وكل ذلك قبل أن يتولاها حكام حوروها بشذوذ مفاهيمهم، اعتبروها رخصة من السماء تبرر طغيانهم. فالرئيس بوش أحرق العراق بحثا عن النووي بنهج: «من ليس معنا فهو ضدنا»، في حروب صليبية.

وأوباما أيد حرق بلداننا العربية بالفوضى الخلاقة، وجشع ترامب جعله يتمادى في خلق كوابيس الهالوين، وبايدن أنتهج مسار ديمقراطية الزهايمر، وتحدى وخلط القيم، وسمح بإغراق أفغانستان، وحرق أوكرانيا، ثم وطّن الجنون والبغض والظلم بمواقفه المتصهينة المعلنة المنحازة مع إسرائيل المحتلة ضد أهل غزة، وضد عموم الفلسطينيين المحاصرين العُزل، ومشجعا على إبادتهم جماعيا، وترحيلهم عن وطنهم، بتهم الإرهاب وقتل الأطفال وتفجير المستشفيات المزعومة، ما جعله يرسل أساطيله، وبوارجه وطائراته وجنوده، بوصية ألا يتركوا على الأرض من الفلسطينيين ديارا.

كفرت، غير أوابٍ بسياسات نزعت عنها مشاعر الرحمة، فصورت الأحداث على عكس معانيها، وتحزبت في عالم رونق لا يمت للحقيقة بصلة، مستخدمة ماكينة إعلام طاغ يقلب الأبيض أحمر والأصفر أسود، ودون بادرة حياء، ليقنعوا شعبهم البعيد جدا عن واقع عوالم ومآسي الشرق، ويصرفونهم عن سماع ورؤية وجه الحقيقة المقابلة.

لقد كفرت بشريعة إنسانيتهم الفاقدة للتوازن، وكفرت بمعاني حلمهم الأمريكي، وشككت حتى في مستقبلهم، وثقة العالم برزانتهم واعتدال موازينهم، رغم امتلاكهم مفاتيح القوة، والطغيان، وأزرار أسلحة نووية سبق ودون وجع ضمير أن استخدموها لينتصروا في حربهم على اليابان، ولن أستغرب لو استخدموها اليوم بمجرد خلاف في وجهة نظر بين من يحكمون أمريكا، وبين أعداء لهم صنعوهم فزاعات وألبسوهم الإرهاب وزرعوهم وسط الشعوب، ليعودوا عليهم ويحصروهم، ويقعدوا لهم كل مقعد، بمجرد نزوة انتخابية، أو صرعة أو معتقد يتخيلون حتميته في عالمهم البعيد عن مفاهيم الصدق والرحمة والعدالة.

نعم، شككت وكفرت بآياتهم وأحاديثهم وتفسيراتهم، مهما عظموها وتلوها على أسماعنا، وأجبرونا على الامتثال بها واتباع أوامرهم، واجتناب نواهيهم، فلم يكن لهم يوما نبوءة سعدت بهديها الشعوب المنكوبة، التي افتتنت بهم، وتبعتهم، ثم ندمت بعد فوات الأوان، متمنية لو أنها تعود من القبور، لتنتزع الثقة من بين أياديهم.

كفرت بثعابين سحرهم ومعجزاتهم، التي لا يمكن إثبات رجوعها بالخير علينا، فهل تراهم يسمعون، ويفيقون، ويعيدون النظر في تعاملهم مع شعوب الشرق المنكوبة، بشيء من الإنسانية والانصاف؟.

إيمانا قلبيا غيبيا، ويقينا عقليا: لا أظن.



shaheralnahari@