تركي القحطاني

ربح المحامي ليس مقابل الخسارة

الاحد - 05 نوفمبر 2023

Sun - 05 Nov 2023


الخسارة ليس لها عوض، لماذا يستحق المحامي أتعابه ذاتها لو خسر الدعوى أو ربحها؟ يستصعب الكثيرون دفع الأموال لمحام لم يربح قضيته، وتشيع الفكرة المنطلقة من أن أتعاب المحاماة تدفع لسبب، فكيف يذهب مالي لمحام لم يحقق لي هذا السبب؟ في هذا المقال، سأسلط الضوء على هذه الفكرة ونفندها.

في البداية، وعند توكيل المحامي بدعوى ما، تتشعب العلاقات والالتزامات الناشئة لتحقيق النتيجة المبتغاة عن تلك الوكالة، فتنشأ علاقة المحامي بالموكل، وعلاقته بالقاضي ناظر الدعوى، وعلاقة المحامي بموظفي المحكمة لضرورة متابعة الإجراءات، وارتباطه بمنصات التقاضي، وأخيرا علاقة المحامي بالخصم في الدعوى.

إن خطوات التقاضي ليست جانبا يسيرا من الدعوى كما يتخيل البعض، فقد يعتقد البعض بأن رفع الدعوى في مجمله سيتم الكترونيا عن طريق المنصة أو عبر أقرب مكتب محاماة ولا يستشعر أهمية بحثه عن المحامي الجيد إلا بعد تعقد موقفه في الدعوى، عندها سيبحث عن محام يرغب منه النجاح في كسب الدعوى ليستحق أتعابه.

إن مهنة المحاماة تحمل في طياتها معاني بذل الجهد وليس تحقيق النتيجة، ووجود المحكمة واللجوء للعدالة خير دليل على عدم وجود ضمانات لدى أي محام تجعله يضمن كسب الدعوى داخل مجلس القضاء بنسبة 100%، إلا أنه من المهم اختيار محام تهمه سمعته عبر النظر إن كان يقبل جميع الدعاوى حتى الخاسرة منها والتي لا أمل في كسبها، وكل هذه دلالات على اهتمامه بسمعته مما سيضمن للعميل بذله للجهد المطلوب.

المحامي الذي يستحق أتعابه حتى لو خسر الدعوى، درس القضية بشكل جيد واقتنع فيها، وارتبطت خطواته مع خطوات الموكل في عدة أمور: يعتقدون بأن جانبهم قوي في الدعوى، والموكل مقتنع مع الوكيل باستحقاقه للأتعاب على جهده المبذول منذ بدء التوكيل سواء كسب الدعوى أم خسرها، وأن يعلم الموكل بناء على الانطباع الذي وجده من المحامي بأنه لن يجد منه تقصير أو تقاعس، وأن هناك أمورا خارجة عن دائرة تحكمه.

إن دراسة القضية والتعمق في تفاصيلها من واجبات المحامي، وأكثر الواجبات التي يستحق أتعابه لأجلها، فينبغي على كل موكل أن يعرف أهمية دراسة الدعوى بشكل قانوني علمي وألا تأخذه الحماسة نحو أفعال متسرعة قبل تدقيق دعواه، فالعديد من الناس لا يرغبون بدراسة دعواهم بمقابل وإنما يريد «أخذ رأي» أكبر عدد ممكن من المحامين بدون مقابل، أما الذي يرغب في أن تدرس قضيته بشكل جيد حتى يعرف مسارها الأولي قبل وقوع العواقب الوخيمة، يعرف أين يتجه وكيف يتصرف مسبقا.

إذن فالتدقيق الأولي و»التشخيص الجيد» من أهم خطوات التقاضي، ويتبع ذلك بذل العناية اللازمة ومواجهة أطراف الدعوى الآخرين ورحلة تمتد لعدة أشهر وأحيانا سنوات، وهناك فكر وجهد وتواصل فعال وأحداث تربطك مع هذا المحامي، وعند الوصول للمرحلة الأخيرة بخسارة الدعوى، لا يمحي هذا الجهد السابق المبذول من المحامي، فمهما كانت المعطيات والتوقعات الأولية من المحامي تشير لكسبك الدعوى، لا يضمن المحامي الربح، بل يبذل الجهد.


t_alqahtani9@