عبدالله أحمد الزهراني

بلوى المشاهير.. فضول وتنظير

الاحد - 05 نوفمبر 2023

Sun - 05 Nov 2023


في عصر سيطرة الثورة التقنية وهيمنة وسائل التواصل الرقمية لم يبتل مجتمع كمجتمعنا من فئة قليلة، يصفونهم بالمشاهير ويقال إنها فئة مؤثرة تصدرت المشهد لتنظر وتستشرف وتفتي وتوجه وتوصي وتترافع وتدافع وتتهم وتحاكم وتعاقب وتصنف وتشخص وتعالج وتنتقد وتزكي الآخرين، وكأنها وكلت بشؤونهم كافة، فهم القيمون على المجتمع والأوصياء على الخلق، فلا يوجد صغيرة ولا كبيرة ولا عامة ولا خاصة من شؤون الآخرين إلا ولهم فيها رأي وفتوى ولوم وتقريع وزجر وتأنيب ودفع ومرافعة ومحاكمة، وحساب وعقاب.

فئة قليلة وكلوا أنفسهم بالتدخل في شؤون الآخرين ومراقبة خلق الله، من باب استعراض المعرفة والعلم تارة، وبحجة الاستظراف وخفة الدم تارة ثانية ومن باب الإنكار تارة ثالثة.. وهكذا غايات متعددة لوسيلة واحدة هي التطفل والفضول بحثا عن الشهرة والإعجاب ولفت الأنظار، فهذا هو الدافع الرئيس وراء ذلك ولا عجب فكثرة الفضول وقلة الشغل وسطحية التفكير وسذاجة الجمهور مسببات لكل ذلك.

ثلة يصورون أنفسهم وكأنهم الحريصون على الوطن الساهرون على الثغور المدافعون عن القيم والمتمسكون بالأخلاق، يتخفون خلف أسماء وهمية ويستترون بمعرفات مشبوهة، يدسون أنفهم في كل شأن فيهاجمون بتهور ويتحدثون بفجاجة وينصحون بوقاحة يتتبعون العورات ويفرحون بالسقطات ينبشون الماضي ويتسلقون على الزلات، يتهافتون على زلة تسرهم وفضيحة تسعدهم أو مصيبة تفرحهم، أسسوا محاكم تفتيش افتراضية ونصبوا المشانق، وترى لهذه المحاكم في كل برنامج جلسة وبكل تطبيق جولة، يدسون انفهم في كل شأن ذريعتهم الإصلاح ومطيتهم حرية التعبير وهدفهم مكاسب شخصية وفوائد ذاتية، وفرض الوصاية على المجتمع بداعي النقد والتوجيه تارة، ونشر العلم ومشاركة المعرفة تارة أخرى، سلطانهم الهوى وشريعتهم المزاج.

لم يتركوا عالما ولا مسؤلا ولا كبيرا ولا حقيرا إلا قيموه وصنفوه بمعاييرهم، وإن أبصروا خطأ ولو صغيرا ضخموه وإن رأوا صوابا تجاهلوه وكأن الشاعر الأموي قعنب بن ضمرة كان يعنيهم إذ قال:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني
وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
هم بنظر أنفسهم علماء راسخون ملمون بأصول الشرع والطب والتربية والعلوم والفلك وعلم النفس والرياض...، بل كثير منهم من يدعي ولو تلميحا الاطلاع على النوايا والقدرة على استنباط الأخطاء بل وخلقها وتلفيق التهم وإشعال الشبهات فيعسف الكلام عسفا ويلوي أعناقه ليا ويحمل القائل ما لم يخطر على باله وربما لم يخطر ببال إبليس، فالشك والريبة وسوء النية هي وسائله، والتحريض والتأليب والتشهير هي أدواته، والخطأ والنقص والعجز والضعف والقصور والجهل والخيانة والتقليد هي التهم الموجهة للآخر، وقانونهم ومنهجهم الهوى فيميلون حيث يميل، ولن يسلم من أذاهم إلا من سار على هواهم، فما لم يكن الآخر على هواه ويسير على طريقته ويتبع منهجه ويعتنق مذهبه، فويل له مما سيواجه من الطعن والتحقير والتسفيه والتكذيب والتشويه والتبلي والتحريض.
وهذا الصنف أو هذه الفئة إذا ما نصحته لوى عنقه وصرف وجهه وأصر واستكبر وأخذته العزة بالإثم، ومثل هذه الفئة الجبانة الهشة لا ينفع معها علاج ولا دواء إلا أسلوب التجاهل والتغافل والصد والإعراض، وإلا فالقرع والزجر والنبذ والحظر.

وبعد، فهذه ليست دعوة لتعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نهي عن التواصي بالحق والتناصح، ولكنها دعوة للتحلي بالأخلاق الإسلامية العالية والأسلوب الراقي في النصح وتأسيس وتطبيق أدبيات وسائل التواصل بعيدا عن التدخل في شؤون الأخرين وعن التطفل والفضول، ولنا في الهدي النبوي الشريف مصابيح نستطيع أن نؤسس منها منهاجا وخارطة طريق، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).


raheenalzain@