فارس هاني التركي

ما يزعجني في القضية الفلسطينية

الاحد - 05 نوفمبر 2023

Sun - 05 Nov 2023


1 - المستشرفون: وهم الذين يدّعون الشرف والفهم لأنفسهم فقط، وأنهم على صواب وأن غيرهم ليسوا بشرفاء ولا ينصرون القضية ولا يدعمون فلسطين، فبذلك لا يستحقون الاحترام وإنما الشتم والإهانة والتجني والتخوين.

2 - المتاجرون: وهم المستفيدون من استمرار الصراع، إما لشهرة أو لجاه حصلوا عليه أو مال مستمرون بالحصول عليه بسبب الصراع القائم.

فحقيقة لا يهمهم انتهاء هذا الصراع لأن فيه وقف لمصالحهم الشخصية.

وبالعكس فإن انتهاء الصراع قد يكشف عيوبهم وحقيقتهم وتجارتهم بهذه القضية الشريفة.

3 - المتصهينون: وهم العرب والمسلمون الذين يعيشون بين ظهرانينا، ولكنهم يتعاطفون مع الغازي والجلاد، لنقص في تفكيرهم ولوثة في عقولهم، ويدعون بأن للصهاينة بعض الحق في الأرض، أو أن للصهاينة الحق في الدفاع عن نفسهم، ويتجاهلون ملايين الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم وديارهم، والفصل العنصري الذي تقيمه دولة الاحتلال، والتطهير العرقي الذي تمارسه من بداية اغتصابهم الأرض في 1948م، وآلاف البيوت الفلسطينية التي دمروها وهدموها فوق رؤوس أهلها.

القضية الفلسطينية هي قضية الشرفاء، ولكن للأسف، هي أكثر قضية تمت المتاجرة بها، وأكثر قضية تسببت في خلق فجوة بين العرب، في حين كان الأولى أن تتسبب في وحدة صفهم وتقوية كلمتهم وقرارهم، لدعم القضية ومواجهة العدو المشترك.

الحقيقة، والتي لا بد أن نكون واقعيين ونعترف بها، هي أنه ليس بيد العرب الكثير ولا أحد فيهم قادر على خوض حرب ومواجهة دولة الاحتلال.

فكل دولة مشغولة بنفسها وبقضاياها الداخلية والتحديات التي تواجهها، في ظل ارتفاع البطالة ومعدلات التضخم والأسعار وزيادة الاستهلاك المحلي وضعف نمو الناتج المحلي ونقص الموارد في العالم.

فمصر، تعاني على جميع الأصعدة، من التضخم وارتفاع الأسعار وانهيار الجنيه مقابل الدولار وحتى الحصول على القمح!.

سوريا تعاني في السيطرة على الأمن الداخلي ولا نستطيع أن نقول إنه بقي لديها جيش حقيقي.

السعودية وضعت تطورها ونهضتها أولوية ولن تتوقف لمجاراة حرب الشعارات والمزايدات، وهي أكثر دولة في العالم دعمت القضية الفلسطينية ماديا ودبلوماسيا.

لبنان، لا تعلم من صاحب القرار فيه، ولا نستطيع أن نعده دولة بالمعنى الحقيقي المتكامل.

العراق، اكتفى، ومنهك من الحروب التي أضاعت من وقته وتاريخه ولم تحقق له أي مكاسب تذكر.

الأردن، موقع معاهدات سلام دولية ورسميا مطبع مع إسرائيل، وليس باستطاعته أن يشكل أي تهديد لهم.

الدول العربية الأخرى بعيدة وتدعم بالشعارات فقط، وليست على استعداد لتدخل مباشر في الصراع.

حقيقة، لا ألوم أي دولة عربية على موقفها من القضية، فكل دولة لها ظروفها وتحدياتها الخاصة، ولكن المزعج هو المزايدات الحكومية والشعبية، وإلقاء اللوم وتخوين غيرهم.

الحل العسكري غير وارد إطلاقا لظروف كل دولة، ولكن لو افترضنا توحد الصف العربي عسكريا، فهناك أمريكا أقوى دولة في العالم تقف بالمرصاد.
إذن فما الحل؟.
الحل هو أن نكف أولا عن المتاجرة بالقضية، ورفع الشعارات الكذابة، وخداع شعوبنا المتعاطفة مع القضية.

الحل في دعم الشعب الفلسطيني، فقدره أن يكون في الواجهة. وهنا أتحدث عن الدعم المادي واللوجستي تحديدا.

الحل في استمرار الحل الدبلوماسي وتوحيد الصف العربي، ليكون موقفه ثابتا في جميع المحافل الدولية للضغط على جميع الدول والمنظمات صاحبة التأثير المباشر وغير المباشر في القضية.

الحل في إبقاء القضية حية وراسخة في عقول وقلوب الجيل الجديد، وتوعيتهم بالتاريخ الحقيقي للقضية.

القضية عادلة والشعب الفلسطيني هو صاحب الأرض، وستة ملايين مهجر منهم سيعودون عاجلا أم آجلا.

وقراهم وضيعاتهم وأراضيهم ستعود طال الزمن أو قصر.

في المقابل، الصهاينة جميعهم من دول مختلفة هاجروا لفلسطين من شتات الأرض، ويعيشون بشكل مؤقت في هذه الأرض، بسبب التساهل في هجرتهم للأسف، من زمن الدولة العثمانية والسلطان عبدالحميد، وعدم صرامته الكافية في منع هجرتهم واستيطانهم لفلسطين، ثم خيانة الإنجليز أثناء الانتداب وتسليمهم فلسطين لليهود بعد وعدهم الشهير، والآن نهاية بحماية أمريكا لها واستخدام الفيتو بشكل مقزز في مجلس الأمن، ولكن الصهيونية المسيحية مسيطرة على السياسة الأمريكية، وهي تريد جميع اليهود في أرض الميعاد، كي يجدهم المسيح عليه السلام عند نزوله للأرض في آخر الزمان.

الصراع عقدي وجودي، واليهود في فلسطين لا يؤمنون بأحقية العرب في الحياة ويجب قتلهم وتصفيتهم جميعا، وإخراجهم من أرض فلسطين.

لذلك لا تجدهم يحزنون على قتل النساء أو يندمون لموت الأطفال!.

إسرائيل كيان دخيل على المنطقة، ولن يستطيع أن يعيش منبوذا طوال حياته بهذا الشكل، وتحت التهديد الأمني المستمر.

نهاية إسرائيل مجرد مسألة وقت، حتى دون تدخل عسكري، ففي الأخير لا يصح إلا الصحيح، وفرض وجود هذا الكيان الدخيل في الجسد العربي لن يستمر؛ فالصراع الداخلي والانقسام في عمق الدولة الصهيونية أكبر مما نتخيل، وهجرة اليهود لأرض الميعاد شبه توقفت، في حين وصل عدد المهاجرين اليهود في إحدى السنوات إلى 350 ألفا، نجد أن عددهم العام الماضي لم يتجاوز 19 ألفا فقط، في حين أننا نجدهم يهربون بالآلاف في المطارات، ويقومون بهجرة عكسية لخارج فلسطين عند أقرب توتر أمني في المنطقة.

الحل لهذه القضية العادلة يجب أن يبدأ من معرفة التعامل مع الوضع الحالي، والبعد تماما عن التلاعب بعواطف الجمهور العربي بالشعارات الرنانة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، والبدء في التعاطي بعقلانية وواقعية كبيرة ودبلوماسية حكيمة، ومحاولة توحيد الصف مع السلطة الفلسطينية، لتمكين الشعب الفلسطيني في حقه لتقرير المصير، وتحقيق مزيد من المكتسبات، وعدم الرجوع للخلف والخسارة أكثر.

farooi@