صراخ الصغار والكبار يلف غزة
القصف المسعور يحول القطاع إلى مقبرة جماعية ويلاحق الأطفال والنساء من الشمال إلى الجنوب
القصف المسعور يحول القطاع إلى مقبرة جماعية ويلاحق الأطفال والنساء من الشمال إلى الجنوب
الأربعاء - 01 نوفمبر 2023
Wed - 01 Nov 2023
عويل الصغار وصراخ الكبار.. معزوفة حزن لا تتوقف في غزة، لا مكان آمنا في القطاع المحاصر، في ظل القصف المسعور للاحتلال الإسرائيلي الذي حول الشوارع العامرة إلى جحيم.
نزحت هبة وزوجها وطفلاهما (4 و12 عاما) إلى الجنوب بحثا عن الأمان، هربا من القصف الإسرائيلي لشمال غزة، لكن لا شبر آمنا في أي مكان، اقتفى القصف خطواتهم، ومثل الفزع المنحوت على وجوه الأطفال، صاحبتهم أصوات الانفجارات على طول الطريق، وما انفكت تدنو كلما ظنوا أنهم نجوا ببضعة أمتار، حتى وجدوا العذاب ينتظرهم.
وضع مروع
تكاد تخنقها عبرة دفينة مثل جثث مئات الفلسطينيين بعد كل غارة، تصرخ في حديثها إلى موقع «الحرة» الأمريكي، وتقول «أطفالي»، تتمالك دموعها ثم تكمل «لا يستطيعون النوم، يخشون ألا يستيقظوا».
تواصل «عشرات الأطفال أجهز عليهم القصف وهم نيام، بعضم لا يزالون تحت الأنقاض، زئير الطائرات الحاد مثل السكاكين، وأصوات القصف والانفجارات وانهيارات المنازل على ساكنيها، أمس قصفت الطائرات الإسرائيلية مبنى قريبا منا، كيف لعيون أطفالنا أن تغمض؟».
لم يتقبل أطفال هبة بعد مظهرهم الجديد؛ مظهر الأطفال المقتلعين من بيوتهم، المشردين، الجوعى، الذين تبدو على وجوههم علامات المرض.
يستغرق الأطفال وقتا أطول ليتصالحوا مع الواقع المرعب.
«لم يعد بمقدورهم الاستحمام، حرموا من كل شيء، حتى ماء الشرب بتنا نحصل عليه بصعوبة، ولا ندري إن كان صالحا للشرب حقا»، تقول هبة.
أرقام مخيفة
وضع الأطفال في غزة يبدو مروعا مثلما يؤكد المتحدث باسم اليونيسف في الشرق الأوسط وأفريقيا سليم عويس، يقول «الأرقام التي تصلنا مخيفة، ويجب ألا تمر مرور الكرام، نحن نتكلم عن 3400 طفل استشهدوا، و6800 آخرين أصيبوا خلال العنف الشديد».
«من نجوا حتى الآن يواجهون ظروفا صعبة للغاية»، يؤكد المسؤول في المنظمة الدولية.
ويواصل «هناك بلاغات بفقدان 940 طفلا في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، في السابع من أكتوبر الماضي، وذلك استنادا لأرقام صادرة عن السلطات الصحية في القطاع»، يقول جيمس الدر وهو مسؤول آخر في اليونيسف.
يواصل «غزة أصبحت مقبرة لآلاف من الأطفال، تحققت مخاوفنا الجسيمة بشأن أعداد الأطفال الذين قتلوا، آلاف، خلال أسبوعين فقط، والعدد يرتفع بشكل مذهل كل يوم».
أطفال مدفونون
يقول المسؤول في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، يانس لاركيه «من الصعب التفكير في الأطفال المدفونين تحت الأنقاض»، مضيفا «في ظل احتمالات ضئيلة للغاية لإخراجهم».
ويري المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندمير، إن سكان غزة يموتون ليس فقط في القصف المباشر، يقول «لدينا 130 طفلا من الخدج يعتمدون على الحاضنات، 61% منهم تقريبا في شمال القطاع».
ويؤكد أن النزوح الجماعي والاكتظاظ والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، بوادر كارثة إضافية تلوح في الأفق، بحسب المسؤول.
دمار ووحشية
تضيف هبة «الحصول على الطعام لا يقل صعوبة، وصلنا إلى مرحلة لم نعد نميز فيها بين الطعام الصحي من عدمه، فالأهم أن تمتلئ بطون الصغار بما هو متوفر، وهي في أغلب الأحيان ساندويش من المعلبات».
تعد هبة وزوجها طفليهما بالعودة قريبا إلى المنزل، لكنهما ليسا متأكدين إن كانا سيفيان بوعدهما، الأزمات كبيرة ومتعددة، تقول «لا حلول ظاهرة في الأفق، وأمنيتي الوحيدة أن يسلم أطفالي وجميع أطفال غزة من القصف، وتتوقف آلة الحرب والدمار الوحشية التي لا تأبه حتى لطفل».
ويؤكد المسؤول في اليونيسف سليم عويس أن أغلب الأطفال في غزة لا يستطيعون الوصول إلى مياه صالحة للشرب، يقول «سمعنا روايات من زملائنا عن أطفال يشربون منذ أيام مياها مالحة، مما أدى إلى ظهور علامات الجفاف عليهم إضافة إلى إصابتهم بالإسهال».
كابوس طويل
كشف الناطق باسم اليونيسف جيمس الدر أن أكثر من مليون طفل في غزة يعانون من نقص المياه النظيفة، وأن طاقة إنتاج المياه في غزة لا تتجاوز 5% من إنتاجها اليومي المعتاد. وتشكل وفيات الأطفال - وخاصة الرضع - بسبب الجفاف تهديدا متزايدا.
ومنذ بدء الحرب يعيش الأطفال في غزة، بحسب يقول عويس، كابوسا طويلا، وما يحصل يؤثر على صحتهم النفسية والعقلية، فهم يشاهدون موت أهلهم وأشقائهم وأصدقائهم أمام أعينهم، الجروح النفسية التي يصابون بها والندوب قد تلازمهم طوال حياتهم، من هنا حمايتهم واجبة، وهي من مسؤولية أطراف النزاع الذين يقع على عاتقهم وضع الأطفال في سلم الأولويات».
عائلات هشة
يعاني فريق اليونيسف في غزة كما باقي السكان من تحديات أمنية وإنسانية، لا سيما قلة الموارد من مياه وطعام وعدم توفر مكان آمن، وبالرغم من ذلك هم مستمرون بحسب عويس في تقديم ما يستطيعون من مساعدة للأطفال والعائلات الأكثر هشاشة.
ويقول عويس «قمنا في بداية الأزمة بإيصال المواد الطبية بما في ذلك الأدوية إلى المستشفيات، وكذلك المواد الأساسية لمحطة تحلية المياه المدعومة من اليونيسف في غزة، كان ذلك من الإمدادات المخزنة، لكن مع مرور الوقت بدأت الإمدادات تنفد، لذلك من المهم جدا وقف إطلاق النار بشكل فوري وإدخال المساعدات من دون تحديد وإعاقة وبشكل مستمر».
ويطالب بتوسيع الاستجابة عبر الحدود وتوفير الأمان للإمدادات والعاملين في مجال الإغاثة، للوصول إلى كل الأطفال أينما كانوا، يقول «هذا احتياج حقيقي وإن لم نستطع القيام به فنحن نخاطر في حياة الآلاف من الأطفال».
أرقام صادمة لأطفال غزة:
- 3400 طفل شهيد
- 6800 طفل مصاب
- 940 طفلا مفقودا
- 130 طفلا خديجا مصابا