نواف ساعد الجهني

تعويم الاختصاص القضائي

الثلاثاء - 31 أكتوبر 2023

Tue - 31 Oct 2023

كان يوم الثلاثاء الموافق 16 / 12 / 1444هـ يوما تاريخيا في تاريخ سير العدالة لدى ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية، فقد أصدر مجلس القضاء الإداري عددا من القرارات المصيرية، منها: الموافقة على قواعد التقاضي الرقمي في محاكم الاستئناف الإدارية (تعويم الاختصاص).

وقبل أن نشرع في الحديث عن أهمية هذه القرار، لابد أن نعرف معنى تعويم الاختصاص، فكلمة التعويم تعني في مدلولاتها اللغوية إزالة القيود والروابط التي تحكم شيئا ما، وأكثر من يستخدم هذا المصطلح هم الاقتصاديون وخصوصا في تعويم العمل (مثل تعويم الجنيه)، أما بالنسبة للساحة القانونية، فالمصطلح لم يكن مطروقا قبل أن يقره مجلس القضاء الإداري، وكعادة القضاء الإداري فهو دائما ما يبتكر ويحدث.

إن المقصود بتعويم الاختصاص المكاني لمحاكم الاستئناف الإدارية هو التخلي عن اختصاص المحاكم المكاني بالنسبة للدعاوى الاستئنافية في التقاضي الرقمي عبر بوابة معين، أو كما عرفه الديوان بأنه: توزيع طلبات الاستئناف على الدوائر وفق الاختصاص النوعي لها دون ربطها بالاختصاص المكاني.

فمثلا: قد يصدر حكم من الدرجة الأولى في المحكمة الإدارية بمدينة جدة، ويريد المحكوم ضده استئناف الحكم، فسابقا كان الاختصاص ينعقد لمحكمة الاستئناف الإدارية في جدة وبقوة النظام، أما حاليا – مع تعويم الاختصاص المكاني - فقد ينعقد الاختصاص لمحكمة استئناف في مدينة ثانية، وتوزيع ذلك يكون بناء على نصيب كل دائرة من القضايا، ولا يستطيع المستأنف ضده الدفع بعدم الاختصاص المكاني متى ما تمت عن طريق التقاضي الرقمي.

إن مميزات التعويم القضائي كثيرة أهمها هو سرعة الفصل في المنازعات المعروضة على القضاة، وتحقيق التوازن العادل في أنصبة الدوائر من قضايا، فمدن كالرياض وجدة من المؤكد أن نسبة قضاياها مرتفعة نظرا لعدد السكان، بينما تقل في المدن التي يقطنها عدد من السكان أقل، وذلك يعني أن نصاب دوائر تلك المدن سيكون أقل من نصاب دوائر الرياض وجدة، ومع هذا القرار سيحقق التوازن المنشود بين دوائر المدن الكبرى والأقل منها، فتقوم بذلك عن طريق الإحالة القضائية، فيقترب عندنا النصاب بين الدوائر في كافة المملكة.

وكذلك فإن قرار التعويم قد يحد نوعا ما من الفساد، فإن المستأنف لا يعلم حين يرفع استئنافه في النظام لأي محكمة هذا الاستئناف ذاهب ومن هم الأشخاص الذين سينظرونها.

كما أنه ينتج عن هذا القرار تقليص لعدد الدوائر والذي قد ينتج عنه في المستقبل محكمة رقمية واحدة فقط في المملكة كلها. وكذلك من أهم مميزات هذا القرار أنه سيؤدي إلى استقرار الأحكام القضائية وتعميق معرفة الدائرة القضائية في اختصاصاها.

من الجدير بالذكر أنه لابد من أن تعدل المادة الثانية من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم وتذكر هذا الاستثناء، وذلك تأكيدا على قاعة التدرج بين القوانين، فالنظام يعمل في ظل النظام القضائي التقليدي، ولا يتوافق جزئيا مع التقاضي الرقمي وتشريعاته الجديدة.

في الختام، لابد أن ننوه على أن تعويم الاختصاص المكاني يطبق اليوم فقط على القضايا الاستئنافية في ديوان المظالم، ولا يطبق على القضايا المعروضة أمام الدرجة الأولى، ولا على القضايا التي تكون من اختصاص القضاء العام (الشرعي).

لا ندري ماذا تحمله الأيام من قرارات، ولكن من المؤكد أن الدفع نحو الكترونية التقاضي دفع شديد، لما له من تسهيل وتبسيط على المتقاضين وجهات التقاضي، وأن الطريق إلى تعويم الاختصاص المكاني قادم لكل المحاكم وبكل درجاتها لما لها من مميزات، ولا يستبعد أن يضم الاختصاص الدولي للمحاكم عن طريق الاتفاق بين وزارة العدل السعودية وشقيقاتها في الدول الأخرى.

nbs11_@