فهد محمد الأحمري

قطع الموارد عن المدنيين في الحروب بين العواقب والحصانة

الثلاثاء - 31 أكتوبر 2023

Tue - 31 Oct 2023

الموارد الأساسية الإنسانية مسمى لمواد الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود والأجهزة الطبية والتعرض لها بالحجب أو ضرب منشآتها أو تعطيل وصولها إلى المدنيين في حالات الحروب يعتبر تصرفا غير أخلاقي ومخالفا للقانون الإنساني الدولي وهو جزء من الإضرار المتعمد للمدنيين وحصار جائر الأمر الذي يشكل جريمة حرب ويتعارض مع الأخلاق والقيم الإنسانية والتعاليم السماوية.

منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي يدينون بشدة استخدامها كوسيلة للضغط السياسي أو العسكري في الحروب وتشدد كل القوانين الدولية على جميع الأطراف المتصارعة الامتناع عن الممارسات القائمة على الحصار وضمان وصول كل الخدمات الأساسية للمدنيين كجزء من الحفاظ على القيم الإنسانية في جميع الأوقات ومن ذلك حالات النزاعات المسلحة.

تاريخ الحروب شهد بعض الأمثلة السوداء غير المشرفة للإنسانية والقيم والعقائد على استخدام قطع الموارد الأساسية ضد المدنيين.

على سبيل المثال، في الحرب العالمية الثانية، تم فرض حصار على مدن مثل لينينغراد والذي استمر لعدة سنوات، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والموارد الأساسية وتعرض المدنيين لمعاناة بشكل كبير، ولم تكن هذه الحالة الوحيدة فهناك كوارث أخرى في ثنايا المقالة.

العواقب القانونية
تقر العديد من المواثيق الدولية بحقوق الإنسان بما في ذلك حقوق الحياة والصحة والحياة الكريمة.

هناك معاهدات واتفاقيات رئيسة في هذا الصدد منها الاتفاقية الرابعة لجنيف لعام 1949م وبروتوكولاتها الإضافية.

تنص هذه الاتفاقية على أنه يجب على الأطراف المتصارعة احترام وحماية المدنيين وتأمين إمدادات المواد الغذائية والطبية الأساسية للسكان المدنيين المتأثرين بالنزاع ويعتبر قطع الموارد الأساسية عن المدنيين خرقا صارما لهذه الاتفاقية.

بالتالي، يجب على الأطراف المتصارعة في النزاعات المسلحة احترام القانون الدولي والالتزام بقواعد القتال الإنسانية وضمان حصول المدنيين على الموارد الأساسية اللازمة للحياة الكريمة وتحميل المسؤولين عن قطع الموارد الأساسية المسؤولية القانونية ويواجهون المحاكمة الدولية الصارمة.

في حالة وقوع مثل هذه الجريمة يمكن أن يقدم المتهمون للمحاكمة أمام القضاء الدولي كالمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الدولية الأخرى المشكلة لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن جرائم الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان.

أمثلة على حالات مشابهة ومحاكمة المسؤولين عنها
هناك أمثلة عديدة على حالات قطع الموارد الأساسية في الحروب ومحاكمة المسؤولين عنها ومنها:
  1. حصار سراييفو: خلال الحرب البوسنية في التسعينيات، تعرضت مدينة سراييفو في البوسنة والهرسك لحصار طويل استمر لمدة أربع سنوات. قامت القوات الصربية المتمركزة حول المدينة بقطع الموارد الأساسية مثل الغذاء والدواء والماء والكهرباء عن المدنيين. تمت محاكمة عدد من المسؤولين العسكريين الصرب أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتهم على بعض تلك الجرائم التي تضمنت قطع الموارد الأساسية عن المدنيين.
  2. حصار لينينغراد: خلال الحرب العالمية الثانية، تعرضت مدينة لينينغراد في روسيا لحصار طويل استمر لمدة 872 يوما من قبل القوات الألمانية والفنلندية. قطعت الموارد الأساسية بشكل كامل عن المدينة، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود. بعد الحرب، تم إحالة بعض المسؤولين العسكريين الألمان للمحاكمة أمام المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية لمحاسبتهم على جرائم حصار لينينغراد.
  3. الحصار الإسرائيلي على غزة: منذ عام 2007، تفرض إسرائيل حصارا عسكريا على قطاع غزة. يتم قطع الموارد الأساسية كالغذاء والدواء والوقود والماء والكهرباء عن المدنيين في غزة بين الحين والآخر. هذا الحصار تسبب في معاناة إنسانية جسيمة للسكان المدنيين. تمت محاكمة ومحاسبة بعض المسؤولين الإسرائيليين في المحاكم الدولية ومحاكم أخرى على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب مرتبطة بالحصار على غزة إلا أن الشكوك كبيرة حول جديتها وتنفيذها.
الحصانة الدبلوماسية للمسؤولين عن هذه الجرائم
في العموم، لا يمنح المسؤولون عن قطع الموارد الأساسية في الحروب حصانة دبلوماسية تماما.

الحصانة الدبلوماسية هي حق يتمتع به الدبلوماسيون والممثلون الدبلوماسيون الرسميون للدول في العمل الدبلوماسي الرسمي بموجب القوانين الدولية والاتفاقيات الدبلوماسية.

ومع ذلك، يجب أن يتم فهم الحصانة الدبلوماسية بشكل صحيح.

فالحصانة الدبلوماسية لا تغطي أعمال جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الجرائم الخطيرة الأخرى التي تنتهك القانون الدولي.

وفي حالة ارتكاب مسؤولين عمليات قطع الموارد الأساسية في الحروب، يمكن استبعاد الحصانة الدبلوماسية ومحاكمتهم ومحاسبتهم وفقا للقانون الدولي والقوانين الوطنية.

على الرغم من عدم توفير حصانة دبلوماسية كاملة للمسؤولين عن قطع الموارد الأساسية في الحروب، قد يستخدمون بعض الوسائل والتدابير لحماية أنفسهم من الملاحقات القانونية.

على سبيل المثال، قد يلجؤون إلى اللجوء إلى دولة أخرى توفر لهم الحماية السياسية أو يحاولون البقاء في المناطق التي يتمتعون فيها بحماية عسكرية أو سياسية قوية.

ولكن عندما تكون هناك إرادة دولية قوية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، فإن الحصانة الدبلوماسية لا تمنع تقديمهم للعدالة ومحاكمتهم.

fahadalahmary1@