حذامي محجوب

ماذا بعد 7 أكتوبر؟

الثلاثاء - 31 أكتوبر 2023

Tue - 31 Oct 2023

الاخلاق في مجال السياسة ليست مجموعة القيم السائدة عن الصدق والشجاعة والتضحية، على أهمية هذه القيم، انما تكمن في صعوبة التحديات التي يواجهها السياسيون عند اختيارهم لطريقة نضال معينة، ورفضهم لأخرى.
مئات الأطفال محتجزون تحت الأنقاض في ظلام دامس يلتحفون الخوف وسط الجثث الملقاة امامهم، يرتعدون من العطش والجوع تحت القصف بعد ان تحولت منازلهم ال ركام، مشاهد مرعبة تنقلها انت عدسات كاميرات القنوات التلفزيونية، تجعلنا نعيش حربا على المباشر وعلى مدار الساعة.
كل هذا العنف المباشر جعل مسالة علاقة السياسة بالأخلاق مسالة حارقة اليوم، بين من يدعو الى اللجوء الى كل الأساليب المتاحة لنصرة قضيته، وبين من يرفض ذلك مهما كان نبل الغاية.
يبدو لي ان المسالة الأخلاقية تظل المرجع الوحيد في ظل تعنت كل الأطراف والضحايا التي تتساقط كل دقيقة.
عندما نتحدث عن المسالة الأخلاقية فأننا لا نقصد النفوس الخيرة والأفكار الطوباوية بل بالعكس تبدو الاخلاق هي الحل الوحيد الناجع، لأن اللاّواقعية هي في الشعارات التي هدفها التجييش والتحشيد والافراط في استعمال القوة واستحضار العنف بكل اشكاله بهدف انتصار سلطة على اخرى.
علينا ان نتفق جميعا على الحد الأدنى لنمنع المجازر التي لا تتوقف، لان هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة لم تأت من عدم، بل هي نتيجة ضرورية لخرق مبدا يهم الإنسانية جمعاء وهو مبدا يتأسس على الايمان بالمساواة في الحقوق مهما كانت اختلافاتنا الدينية والعرقية والجنسية، كما ان هذا المبدأ الأخلاقي هو سياسي او لا يكون، بمعنى ان الدفاع عنه هو في قلب الممارسة السياسية، ومن هذا المنطلق فان الشعب الفلسطيني هو ضحية خرق مبدا العدالة، فلامعنى لمبدا سياسي يقوم على التعامل مع الاخر المغاير لنا والمختلف عنا بسياسة المكيالين او بسياسة اللامبالاة.
تفرض المسالة الأخلاقية نفسها بحدة في الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي من أوجه متعددة: من جهة اصل هذا الصراع، ليس هناك تكافؤا بين المعسكرين فمنذ 75 سنة اخطأ الأوروبيون التقدير حينما حولوا وجهة المحرقة اليهودية التي قام بها النازيون الى الشرق الأوسط وكفروا عن هذه الجريمة بمنح يهود أوروبا ارضا وسهلوا لهم تأسيس دولة حماية لهم من التشرد والاضطهاد، لكن هذه الأرض اقترنت بعقيدة دينية عند اليهود حتى انهم يطلقون عليها ”أرض الميعاد” مما زاد الامر تعقيدا.
دولة تأسست على جريمة في حق الشعب الفلسطيني، ما ذنب الفلسطينيين؟ ان ما وقع فعلا هو التكفير عن جريمة ارتكبت في أوروبا في حق اتباع دين بانتزاع ارض وتمكينهم منها على حساب الفلسطينيين، لذلك فلا يمكن للعالم ان ينكر حق الشعب الفلسطيني في ان تكون له دولة يعيش على ارضها وتحفظ كرامته كبقية شعوب العالم.
ان دولة إسرائيل منذ 1967 تتصرف بعقلية المستعمر المتسلط الذي لا يتوقف عن التوسع والاستيطان وكانت الأوضاع تتأزم أكثر خاصة في فترات حكم اليمين المتطرف باعتباره ككل الأنظمة المطلقة يقوم على العنصرية وعلى القوة والبطش، هنالك داخل إسرائيل فصائل متطرفة يهودية او مسيحية تدفع الى المواجهة وترفض التعايش مع العرب، ترفض حتى نسبة 20%من العرب الإسرائيليين مما حول غزة الى جحيم مفتوح على كل السيناريوهات.
ان اليمين المتطرف بعقليته الاستيطانية هو الذي قاد دولة إسرائيل الى زلزال 7 أكتوبر، هذا ما تقوله الاحتجاجات في إسرائيل وكل شوارع العالم تقريبا، ان نتنياهو هو المسؤول الأول عن سقوط أرواح المدنيين. لا اريد ان اشير في هذه الأجواء المشحونة بالكره والعنف والتخوين الى ان هنالك تقارير دولية وحتى إقليمية والعهدة عليها تتحدث عن التمويلات المشبوهة لحركة حماس في تأسيسها لمنع قيام دولة فلسطينية ولتقسيم قوى المقاومة الفلسطينية بعد ان كان الزعيم ياسر عرفات بكل رمزية نضاله هو الضامن لوحدة تعدد الفلسطينيين تحت مظلة منظمة فتح، في حين ان أيديولوجيا حركة حماس تقوم على مرجعية عقائدية إسلامية متشددة ومطلقة بشهادة العديد من الفلسطينيين.
كل حركات التحرر تقوم على مبدا أخلاقي لذلك لا ينبغي علينا المساومة على ادانة عمليات القتل التي حصلت يوم 7 أكتوبر 2022 والتي استهدفت في نسبة كبيرة منها المدنيين، فكل حياة إنسانية هي مقدسة، علينا كذلك كأمة عربية وإسلامية ان نتفهم في تلك اللحظة غضب الإسرائيليين خاصة وان له ما يبرره في ذاكرة اليهود، انه يذكر بمجازر الهولوكوست المرتبط بنكبتهم التي عولجت بنكبة الفلسطينيين الذين دفعوا ويدفعون ثمن ذنب لم يرتكبونه.
هذا الإقرار بالحق الشرعي في الدفاع عن النفس للإسرائيليين لا ينبغي ان يتحول الى انتقام وابادة جماعية، لذلك علينا جميعا ان نسعى أولا وقبل كل شيء الى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الى غزة وتخليص المدنيين من حمام الدم ومن حرب الإبادة الجماعية، وعلى البلدان التي تنتصر لهذا الشق او ذاك ان لا تتخذ من قضية الشعب الفلسطيني تعلة لتنطلق في حرب مجموعات واحياء هويات قاتلة وحرب الكل ضد الكل.

انّ إسرائيل لا يمكن ان تعيش في سلام مادامت لا تعترف بالحق الفلسطيني، أي مادام الشعب الفلسطيني لا ينعم بحقّه في دولة شرعية مستقلة تكون حقوق المواطنين فيها محفوظة.
علينا ان لا نسقط أخلاقيا في تخوين بعضنا البعض ومحاربة أنفسنا، وتصفية حسابات دولة على حساب دولة أخرى، او تبرير فشل سياسة ما، وراء شعب يتألم تحت القصف.
في الحرب الكل خاسر حتى ولو انتصر عسكريا.
الحرب ضرورة يلجأ اليها في حدود الحق والعدل اذ يمكن الفوز في الحرب منفردا لكن السلام، السلام الدائم، لا يمكن بلوغه او ضمانه دون توافق الجميع، لذلك علينا ان يكون لنا معنى للإنسانية، للعدالة للشرف في السياسة، وان نستحضر ما هو انساني في كل انسان.
فالحرب لا تحدد من هو صاحب الحق، وإنما تحدد من تبقى.

* نقلا عن موقع عرب 21