خالد العويجان

الرجل الذي لا ينام وسيدة المدن

الاحد - 29 أكتوبر 2023

Sun - 29 Oct 2023

المدن قصص، وحكايات، وكثير منها تاريخ، والتاريخ لا يُحابي أحدا، ولا يتواطأ مع أحد.

ربما صفحاته هي الصادقة في زحام التزييف.

وهذه ليست أسطورة، بقدر ما هي نافذة كبيرة للحقيقة.

والحقيقة لا ترحم، ولا تخاف كبيرا ولا صغيرا، ملكا، أو زيرا أو غفيرا.

الكلمة فيها كالرصاصة، إما أن تكون قاتله، أو مُدوية.

والورق الذي يحوي الكلمة، ناعم الملمس، لكنه بحد السكين على الأطراف.

والعواصم محبوبة، بعضها بالطبع، هناك منها ما يأخذني ويأخذك إلى عبق تاريخي له رائحة الخاصة، شكله بديع، لكنه في الحقيقة من الداخل ملوث.

وجزء آخر من العواصم تشتاق إليه، حتى إن كنت كحالتي، لست اجتماعيا، ومحبب إليك النظر إليها من السقف العالي.

وذات – أي تلك العواصم - مضمون وثقل كبير.

سأعود إلى شرح المضمون الثقيل، لكن ثمة ضرورة لشرح قصة المدن الملوثة.

وهنا أعني ضياع الفرص، وغياب الصوت، والفكرة، والتفكير، والأهم غياب الشخص، الذي يمكنه جمع صفات الوجه الذي ينظر إليه الجميع.

دعني أتجول معك صديقي القارئ «افتراضيا» في العاصمة الأمريكية، واشنطن، ويمكن أن نستقر في مقهى عريق، نحتسي فيه قهوة سوداء، وننظر إلى صورة لجون كيندي، وأخرى لثعلب السياسة الأمريكية هينري كيسنجر.

حتى إن استوعبنا عمق هذا الرجل، إلا أنه ذهب مع الريح.

وربما في مقهى باريسي، قد تشاهد صورة لشارل ديغول، ونؤمن سويا، أنه قاد الخروج من الجزائر، وخلصها من الاحتلال الفرنسي، وقرر ترك القارة السمراء، وعارض «حرب فيتنام».

وضع يا صديقي تشرشل، وستالين في الاتحاد السوفييتي في مخيلتك.

والقائمة كثيرة لكن المساحة لا تتسع.

وقضيتي التي قلت إنني سأعود إلى شرح المضمون الثقيل، هي أن تلك الأسماء السابقة، كانت تمثل عواصم لها وزنها التاريخي، وصحيح أنها دخلت سجلات التاريخ، لكنها في حقيقة الأمر دخلته وفق كثير من صور الدمار والحروب، نتيجة ظروف سياسية بعيدة كل البعد عن عنوان التنمية، وصناعة الدولة.

بمعنى أن تلك العواصم في ذلك الكتاب التاريخي، كان لها ضرورياتها السياسية، التي علقت تطورها عشرات العقود من الزمن.

ونحن اليوم، لنا ضرورياتنا السياسية - أقصد السعوديين – وطموحاتنا الكبرى، التي لم نتوقف عنها، في حين لم نتجاهل محيطنا الذي يمكن وصفه بـ«الملتهب».

ماذا يعني ملتهب؟ يعني رجلا يضع قدمه على جمر خامد، ويعني أيضا وجود برميل بارود، يمكن له أن ينفجر في أي لحظة.

السؤال: ماذا يعني لك ذلك وأنت تعيش في دولة كالسعودية؟. الجواب، بلا عاطفة، ذلك يقودني للنظر إلى بلادي من الأعلى.

فالأيام والأسابيع ويمكن الأشهر الماضية، والمنطقة المحيطة تعيش بكل ما تعنيه الكلمة على فوهة بركان، بينما تحولت الرياض إلى مزار، اتجه له كثير من الزعماء، واحتضنت كثيرا من المؤتمرات التي انتهت إلى عقد صفقات بمليارات الدولارات.

وهذا المشهد لا يستوعب أي شكل من أشكال النظر دون فهم عميق، باعتباره مصدر اعتزاز أولا، وثانيا، هذه حقيقتنا.

إن اتجاه النظر نحو عاصمة بلادي، وهو الأمر الذي يراه كثير من العرب بمنظور سلبي، ليس فضلا من أحد، ولا قربانا دفع الأرض للاتجاه نحو الرياض، إنما ذلك نابع من إيمان مطلق، قائم على الاستقرار السياسي الذي تعيشه المملكة، يضاف إلى ذلك، فهم العالم للتأثير السعودي، في شتى الملفات العالمية والإقليمية، واعتماد كبرى دول العالم على التوازن السياسي السعودي، الذي لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال.

بدون أدنى شك؛ نعي جميعا وتعي الشعوب المتحضرة، أن المملكة تعيش تحديثا ونهضة لا نظير لهما، بينما لم تتجاهل مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية الداخلية والخارجية، وهذا يتضح خلال رؤية النشاط السياسي السعودي فيما يتعلق بملف غزة، إذ لم تتوقف الدولة، من أعلى رجل، إلى المسؤولين عن الدبلوماسية السعودية، عن ممارسة دورها الأخلاقي والسياسي لإيقاف حمام الدم الذي يشهده القطاع منذ قرابة الشهر.


إن ورشة العمل الكبرى التي تعيشها بلادي، ليست ترفا أو نوعا من التسلية، إنما قدر محتوم يفرضه العزم على التطوير وبناء دولة عصرية للأجيال المقبلة، لتضع نفسها ضمن كبرى الدول، خلال التنمية وبناء الإنسان قبل كل شيء، لذا تحولت عاصمة بلادي «سيدة المدن»، إلى بقعة لا تنام، ويعيش فيها رجل يتولى العهد، وألهم البشر للنظر إلى الأحلام التي تحولت إلى حقيقة، بالشغف والهمة وحب الوطن. العاصمة لا تنام.. وهو أيضا لا ينام.