عبدالعزيز المزيد

تداعيات خفض قيمة العملة المصرية على الاقتصاد المصري والسعودية

الأربعاء - 25 أكتوبر 2023

Wed - 25 Oct 2023

يتسم الاقتصاد المصري منذ القدم بالقوة، حيث تتميز مصر بالموقع الجغرافي الذي يتوسط العالم ويربط الشرق بالغرب، ويربط أفريقيا وآسيا وأوروبا، وهذا الموقع التنافسي جعل من مصر لعقود طويلة قوة تجارية عظمى، بالإضافة إلى أن مصر دولة غنية بالموارد الطبيعية، حيث يوجد بها نهر النيل الذي ساعد في عملية الزراعة، علاوة على توفر الأرض الخصبة الصالحة للزراعة، وبذلك كانت مصر مركز غلال العالم أو كما عبر عنها نبي الله يوسف عليه السلام «خزائن الأرض»، (سورة يوسف آية 55).

علاوة على اكتشاف آبار الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية المصرية، والنفط بالأراضي المصرية، بالإضافة إلى الثروة السمكية الهائلة، حيث تطل مصر على مساحات شاسعة من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

وجدير بالذكر أن سيناء وهي جزء من الأراضي المصرية غنية بالمعادن والثروات الطبيعية، التي لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل، بالإضافة إلى وجود ما يقارب ثلثي آثار العالم في مصر، كل هذا وغيره جعل من مصر دولة غنية ذات اقتصاد قوي.

ولكن لم تستطع مصر المحافظة على تلك الثروات، وباتت مصر الآن تشهد أكبر أزمة اقتصادية مرت في تاريخها، حيث أصبح الاقتصاد المصري يمثل ثاني أكبر دولة من حيث الديون في العالم، وأصبح غير قادر على تصدير منتجاته بسبب تردي مستوى الجودة وشدة المنافسة الدولية، والعديد من المعوقات والمشكلات في المجال الصناعي والزراعي، مما أدى إلى انخفاض الإيرادات من العملة الأجنبية، كما أصبحت مصر تعتمد على استيراد معظم احتياجاتها من الخارج، وهذا مما أدى إلى استنزاف ميزان المدفوعات المصري وعدم توافر العملات الأجنبية.

هذا بالإضافة إلى التداعيات السياسية التي قوضت معظم الفرص الاستثمارية في مصر، وأدت إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية، بالإضافة إلى المعاناة الشديدة التي يتحملها المستثمر المحلي، كل هذه الأمور دفعت بالإدارة المصرية إلى اللجوء إلى طلب المساعدات الدولية خاصة من الدول الخليجية الشقيقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي دعمت مصر بمليارات من الدولارات، ونظرا للوضع الراهن للاقتصاد المصري لم تؤثر تأثيرا كبيرا في معالجة الوضع.

لجأت مصر إلى الاقتراض من الخارج (وخاصة من صندوق النقد الدولي) لمعالجة المشاكل الاقتصادية، ولكن أدى ذلك إلى زيادة التردي الاقتصادي بها.

ويرجع المحللون الماليون والاقتصاديون، والمؤسسات الدولية الاقتصادية ومنها صندوق النقد الدولي، أسباب الانهيار الاقتصادي في مصر إلى عدة أسباب أبرزها، فشل الإدارة المصرية في إدارة الملف الاقتصادي، انتشار الفساد في العديد من المؤسسات الاقتصادية، تدخل الدولة في معظم القطاعات الاقتصادية في مصر، كما يشير المحللون الاقتصاديون إلى أنه لا مجال أمام مصر للخروج من أزمتها الراهنة إلا باتباع سياسات جادة وحقيقية تؤدي إلى إنعاش الاقتصاد لمصرنا الشقيقة، وهي استبدال الإدارة الاقتصادية الحالية بإدارة أخرى أكثر كفاءة وخبرة، ولديها القدرة على الحوار والتواصل مع الأشقاء للعمل بجد بعيدا عن مجال المساعدات والقروض، حيث لا يمكن قيام اقتصاد حقيقي على مثل تلك الأمور، إنما يقوم الاقتصاد على مشروعات استثمارية حقيقية وجادة، بالإضافة إلى العمل على تحسين البنية التحتية والمناخ الاقتصادي الملائم لجذب الاستثمارات العربية والخليجية والأجنبية المباشرة، والعمل على خلق نوع من المنافسة المتكافئة مع كافة الأطراف الأخرى ومواجهة حقيقية وجادة للفساد الاقتصادي.

كما أن المملكة ودول الخليج تنصح الجانب المصري في محاولته لجذب استثماراتهم بأمرين هما خفض قيمة الجنيه المصري (وهذا أحد شروط صندوق النقد الدولي) من أجل تعظيم عوائد استثماراتهم بمصر، وكذلك استبدال المسؤولين الحاليين في القطاع الاقتصادي، بمسؤولين أكثر كفاءة وخبرة وجدية. وبالفعل فإن مصر تمتثل لشروط صندوق النقد الدولي بتخفيض قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى منذ فترة، حيث بدأ ينخفض أمام الريال السعودي ليصل سعر الريال السعودي إلى ما يقارب 8.26 جنيه مصري في البنوك الرسمية في مصر، وكان من المتوقع حدوث تعويم آخر للجنيه المصري بنهاية عام 2023، لكن تم تأجيل هذا الأمر بسبب الانتخابات الرئاسية خوفا من أي اضطرابات شعبية.

أخيرا، فإن انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الريال السعودي سيفيد كلا الطرفين حيث سيؤدي إلى جذب المزيد من الاستثمارات السعودية والخليجية إلى مصر، ويزيد من عوائد استثماراتهم فيها ويحقق لهم الأرباح التي يتوقعونها، وفي ذات الوقت يساعد ذلك مصر على الخروج من أزمتها الاقتصادية الراهنة من خلال المزيد من تدفقات النقد الأجنبي إليها مما يزيد من قدرتها على سداد ديونها وتحقيق التنمية الاقتصادية لكثير من قطاعات الدولة، ويزيد من فرص النمو الاقتصادي الحقيقي بها.


aziz_h_almzyad@