بسمة السيوفي

المهزلة..

الثلاثاء - 24 أكتوبر 2023

Tue - 24 Oct 2023

بداية لا بد أن كتابة أي مقال عن هذا الموضوع مهما طال أو قصر لن تصل إلى مقصده في حضرة الحزن والألم الذي تكابده أجيال تربت على مناصرة القضية الفلسطينية منذ الصغر.. أذكر أننا كنا نتبرع بنصف مصروفنا المدرسي منذ المرحلة الابتدائية من أجل التخفيف عن المهجرين ومساندة المنكوبين في بلاد أولى القبلتين الأقصى الشريف. ومذ كبرنا ونحن نعلم أننا بالنسبة لليهود «أغيار» وهم يتشدقون بأنهم شعب الله المختار.. يسموننا «جوييم» بالعبرية.. فرقة منهم تعتبر التوراة هي الموحى بها من الله، أما التلمود فيعتبرونه نتاجا ثقافيا لليهود يحدد القيم العامة التي ترشد الشعب اليهودي. لديهم فرق دينية كثيرة تختلف الواحدة منها عن الأخرى اختلافات جوهرية وعميقة تمتد إلى العقائد والأصول.. سأتناولها في مبحث آخر إن شاء الله.

يبلغ عددهم أكثر من 15 مليون نسمة حول العالم.. يوجد في إسرائيل ما يقارب 9.5 ملايين نسمة وفق إحصائية 2023، اليهود 7.1 ملايين والعرب قرابة 2 مليون.

يسكن في القدس وحدها أكبر تجمع للسكان اليهود 569 ألف مقيم. يأتون إلى أرض إسرائيل، أرض الميعاد لقولهم «إن الله وعد اليهود بها دون غيرهم من البشر».. يتزايد عدد المهاجرين الجدد إلى الدولة الصهيونية حيث بلغ 70 ألف مهاجر جديد في عام 2022 معظمهم من روسيا وأوكرانيا.. إلا أن هناك الكثير من اليهود الذين يغادرون الدولة اليهودية بعد أن هاجروا إليها في وقت سابق خاصة بعد انتخاب الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.

نسمع مذ وعينا أخبارا مؤلمة عن انتهاكات لساحات حرم الأقصى وتدنيس المقدسات وسقوط الشهداء.. توراتهم تحثهم على محو الجميع، النساء والأطفال والرجال؛ لأن ليس لهم حق في الوجود. انتهاكات مستمرة تزيد من وتيرة خطاياهم.. وارتكاب الخطايا، وفق تلمودهم، من أسباب هلاكهم.. لكنهم مستمرون.. أكبر خطاياهم مفهوم بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى انتظارا للمسيح الحقيقي؛ لأنهم لا يعترفون بعيسى عليه السلام، ولا يظهر مسيحهم الحقيقي إلا بعد بناء الهيكل. لم يؤمن اليهود بدعوة عيسى عليه السلام؛ لأنهم اعتقدوا أن المسيح المنتظر سيكون سليلا مباشرا للملك داود عبر ابنه سليمان، وسوف يولد بشكل طبيعي لزوج وزوجة وفق كتبهم المحرفة، بينما ووفقا لما تؤمن به بعض طوائف المسيحية، فإن والد يسوع هو الله وليس داود.. لذا لا يمكن أن يكون هو مسيح اليهودية.

السؤال هنا من قال لهم «إن شعبا عريقا سيسمح للغرباء بطرده من أرضه؟» من قال «إن العنف المتصاعد والعقاب الجماعي الذي يدفع ثمنه المدنيون الأبرياء في ظل ازدواجية المعايير الدولية ليس إرهابا وتوحشا يمارس ضد شعب محتل؟» كيف يحق لإسرائيل قتل 14 فلسطينيا كل ساعة، 100 طفل كل يوم، والأعداد في تزايد مخيف، دون أن يتحرك المجتمع الدولي لإيقاف هذه المهزلة؟» مهزلة الصمت المرفوضة ومسرحيات الفيتو غير المبرر من المجتمع الدولي.

وفي ظل توقع كل الاحتمالات يتجلى أن الصراع القادم هو صراع ما يسمى بـ»جيوبولتيك الأديان وهو أن تؤثر الجغرافيا على السياسة، ولنتكلم بعقلانية لا توجهها غوغاء الشارع أو الغضب العارم الذي يعتمل النفوس الحرة لشعوب الكرة الأرضية.. إن المخطط الاستراتيجي لأطماع الدول المسيحية ابتداء من روسيا الأرثوذكسية إلى أوروبا الكاثوليكية وصولا إلى أمريكا البروتستانتية وضلوع إسرائيل وإيران في هذا المخطط.. هو لاقتلاع النفوذ العربي من المنطقة، وإضعاف دول الخليج؛ لأن الخطر المتعاظم على العالم هو الإسلام، القراءات المستقبلية تشير إلى أنه في عام 2050م سيصبح الإسلام هو الدين الأغلب في العالم، لتزايد نسبة النمو لدى المسلمين أكثر من الديانات الأخرى».. الهدف هو شرذمة العالم العربي وتشظيه ليصبح دول أقليات حتى لا يظل أهل «السنة» مسيطرين على المنطقة فنسبتهم إلى المسلمين 85% بينما الطوائف الأخرى هي البقية. الهدف هو وقف التمدد الإسلامي في العالم.. والكيان الصهيوني يحارب بالوكالة عن الغرب من أجل هذا الهدف.

مقاومة مغتصب الأرض هي حق للشعوب تماما كحق اختيار المصير.. ولديهم الحق في اختيار حكومة وحدة وطنية.. والحقوق تنتزع لا توهب. وبين القصف والتهجير والفقد.. لن يكون هناك عاقل يغني للكوارث.. ولا نهاية لهذا الصراع إلا بحل سياسي وبمفاوضات حقيقية تضع ملف الشراكة في الأرض والمقدرات، من النهر للبحر، على طاولة الاتفاق.

لن نستهين بما يفعله الدعاء لمجابهة الظلم العظيم.. لكن علينا الاستعداد قدر الاستطاعة.. بالاتحاد تحت راية قيادة حكيمة ترى أنه لا داعي لأن تكون معظم الدول العربية المستهدفة اليوم نسخة أخرى من العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن.. هم يخافون وحدة العرب.. لذا لا بد من أن نملك القوت، الدواء، التعليم، الأجهزة الطبية، الأسلحة، مصادر الطاقة والماء النظيف حتى يقف العرب بقوة للمجابهة.. مجابهة الدول التي تدعم إسرائيل، حتى لو كان العالم كله.

وبالرغم من أنه يمكنهم محو غزة وقتل آلاف الضحايا الأبرياء لكن ذلك لن يمحو أبدا القضية الفلسطينية.

موجع ذلك الفقد ونحن نتأدب في حضرته.. مخز هذا الصمت الدولي الجبان نحو الدم العربي المستباح.. مقلق للعالم ذاك التحزب لطرف على حساب طرف آخر.. لذلك نخبر المرابطين بأنه قد تداعى لكم باقي الجسد بالسهر والحمى.. «وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون».. وأننا مهجوسون بالهم العظيم.. الهم الذي يرفع الحزن الى أعلى درجات التوحد مع عذابات ومآسي بشر لا نعرفهم.. لذا كل ما يكتب ويقال ويناقش ويفعل هو صوت يتكاتف ويقف صامدا متمنيا السلامة والتمكين.. دون أن يزرع الخونة ذرائع الحرب الأكبر.. فقد كان قرار دخول الحرب فرديا منذ البداية.