شروق المحمادي

الممتلكات ليست إنجازات

الثلاثاء - 24 أكتوبر 2023

Tue - 24 Oct 2023

أمام المقهى، يرتدي عمامة حمراء غريبة اللون بدا لونها كدم الغزال الذي لم أره في حياتي، ثم بدأت مسابقة استعراض الممتلكات:
"أمتلك أحدث ثلاثة هواتف قيمتها تقارب 13 ألف ريال، ساعة ذهبية وخاتم بقيمة 21 ألف ريال".
نظرات الإعجاب تحفه مع دعوات الحفظ والحماية من العين والحسد.
لكن هناك مشاهد لهذا الفيديو، ربما الوحيد الذي لم يعجب بأشيائه. ومع حديث نفسه حدث المقال هذا.
أولا: هذا ما يظهر أمامي لكن ما الكواليس التي لا أراها؟ كيف حصل عليها أبدخله الشهري فعلا وإذا كان كذلك فهذا غير كاف للحكم على أنه غني، فهناك مصاريف وتكاليف أخرى مخصومة قطعا من الدخل فكم الصافي الذي بقى له؟ أم أنه امتلكها بالديون والأقساط؟
قد تحدث نفسك: وأنت ما علاقتك به؟ حر في ماله!
أرجو أن تهدأ قبل أن تحكم.
فحديثي النقدي الذي جرى داخلي هو أيضا حرية تعبير أحمي بها سياجي النفسي من الإعجاب بما لا يستحق الإعجاب.
لنعد.. الممتلكات تدل على طفل هش بحب تملك عال بعقل يتبّع ولا يبتدع. الاستهلاك المفرط دليل على استقلالية منخفضة.
الممتلكات ليست إنجازات. فما الإنجاز في امتلاكك آيفون 20؟
هل الممتلكات الثمينة كلما زادت زاد إعجاب المجتمع بمالكها؟
انتهى الفيديو، انتهى مقالي.
نظرت في التعليقات لأرى سيل تعليقات لجمهور غير معجب أبدا بالممتلكات!
أغلب التعليقات كانت تقتبس كلمة جبران خليل جبران "لا تجعل ثيابك أغلى شيء فيك حتى لا تجد نفسك يوما أرخص مما ترتدي".
فهمت من هجمة التعليقات السيئة حينها أن امتلاك السيارات الفخمة والهواتف الغالية لا تجعلك وجوبا محبوبا. وأن الغنى لا يغني «لكن الغنى غنى النفس» فالناس تعجب بالشيء ولا تعجب بك. محل الإعجاب فيك كإنسان هو مدى قربك من إنسانيتك.
ثم فتحت فيديو آخر لطفل يرتدي ثوبا أبيض بسيطًا يتحدث عن محل تجاري يمتلكه وأنه يحرم نفسه من شراء بعض الأشياء (مما يدل على تحكم ذاتي مرتفع واستقلالية عالية)، فوجدت التعليقات تعجب به وتثني على تربية والديه.
لم يستعرض الطفل التاجر محله ولا ممتلكاته لم يفعل شيئا، لم يرتد ساعة فاخرة، ولا عمامة ترفع رأسه، كان عاديا جدا، لماذا بدون ممتلكات كان محبوبا؟ مثار إعجاب وكنت أول المعجبين بفلسفته ونفسه القوية.
لقد كانت أخلاقه فاخرة، ومبادؤه غالية، وإنجازاته من نوع 5G، وقيمه من مقاتلة F16 في زمن 2023 قلة منهم تفعل ذلك.