سعد باسلوم

المانجروف.. المنقذات والنافعات للبشر

الأحد - 22 أكتوبر 2023

Sun - 22 Oct 2023

في الـ26 من يوليو 2023 أعلنت شركة البحر الأحمر الدولية عن افتتاح أول مشتل متخصص لزراعة المانجروف في السعودية بهدف استزراع أكثر من 500 مليون شجرة مانجروف بحلول عام 2030 الذي يتوج رؤية المملكة في المستقبل القريب نحو اقتصاد أكبر وأكثر شمولية، مشروع الـ500 مليون شجرة مانجروف هو واحد من ضمن مشاريع كثيرة تقوم بها شركة البحر الأحمر والتي تعتمد المملكة عليها في تحقيق رؤيتها الخاصة وهي واحدة من ضمن الأذرع السياحية الرئيسة لرؤية 2030 وهي مملوكة بالكامل من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي.

حتما لا شيء يتم في السعودية دون تخطيط واع ومسبق بما يتوافق مع رؤية المملكة ومستقبلها ولكن ربما يسمع الكثيرون عن أشجار المانجروف، فما هي ولماذا كل هذا العدد الضخم منها وما علاقتها بالطب التكميلي؟

ما هي أشجار المانجروف؟
المانجروف هي مجموعة فريدة من النباتات الوعائية التي توجد في الموائل الساحلية المالحة ومن المعروف أنها تتحمل الظروف البيئية القاسية، لها العديد من الاستخدامات واسعة المجال والمدى، والتي تشمل بعضها علاج الحالات المرضية التي تسببها كل من البكتيريا والفطريات والفيروسات، هنالك توجه عالمي وملح في استخدام مستخلصات دوائية جديدة قادرة على التغلب على السلالات والمتحورات الجديدة من مسببات الأمراض نتيجة للمقاومة الشديدة لتلك السلالات للأدوية والمستخلصات التقليدية؛ لذا فإن المانجروف هي أحد تلك المنقذات الجديدة التي وجد فيها الباحثون ضالتهم، خاصة أنها تتكيف مع التغيرات البيئية وبالتالي قد تختلف خصائصها الطبية من حيث استخداماتها عبر المدارس المختلفة.

تعتبر أشجار المانجروف فريدة من نوعها من الناحية الكيميائية الحيوية وتنتج مجموعة واسعة من المنتجات الطبيعية الجديدة وتعتبر مصدرا غنيا للستيرويدات والتريتربين والصابونين والفلافونويد والقلويدات والعفص أو التانين، أظهرت المستخلصات من أوراق وسيقان ولحاء وجذور أنواع المانجروف نتائج إيجابية لاختبارات نشاط مضادات الأكسدة، كما أنه لوحظ التأثير الذي تحدثه مستخلصات المانجروف على بعض الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك Shigella sp وStaphylococcus sp وPseudomonas sp، كما تم الكشف عن العديد من التأثيرات النافعة التي تحدثه تلك المستخلصات في بعض الدراسات في مجال علم الأدوية.

حامي الكوكب
الاحتباس الحراري وظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض وصلت إلى أقصاها إلى الحد الذي أشارت إليه عديد من منظمات المناخ أنه في شهر يوليو المنصرم قد سجل في أحد أيامه أكبر ارتفاع لدرجة حرارة الأرض عبر تاريخها الممتد، هذا الارتفاع أسهم في زيادة نسبة الكربون والتي تتراكم حول طبقات الغلاف الجوي مما يؤدي إلى العديد من الكوارث البيئية، هنا يأتى دور المانجروف الذي لديه القدرة على امتصاص الكربون بمقدار أكثر من 5 إلى 10 مرات، كما أن المانجروف له دور كبير في المحافظة على الشواطئ الطبيعية من التآكل نتيجة لقدرته العالية على الاحتفاظ بالتربة والروافد المحيطة وبهذا نرى الدور المتمثل في الحفاظ على العديد من التوازنات المختلفة للنظام البيئي.

فوائد المانجروف
هنا لن نركز فقط على أهمية المانجروف بيئيا فقط، ولكن سنرنو إلى اتجاه آخر حول قيمة المانجروف كنبتة طبية لها العديد من الفوائد النافعة العلاجية والاستخدامات الطبية وكذلك كمورد غذائي مفيد بأشكال مختلفة، وكيف يمكن لشجرة تحافظ على النظام البيئى أن تكون موردا وعامل جذب للسياحة العلاجية وللاقتصاد الدوائي والاقتصاديات الأخرى المنبثقة منه، هذا هو السبب -تحديدا- الذي يجعل ممارس طب تكميلي يحدثك عن شجرة تمنع رفع درجة حرارة الأرض.

الفوائد العلاجية
يوجد أنواع مختلفة من أشجار المانجروف فهناك المانجروف الصيني والهندي والفلبيني، وهنالك الأنواع المحلية التي تتواجد بشكل طبيعيي في المملكة وأيضا أنواع أخرى سيتم استزراعها لتوفر التنوع الإيكولوجي وكذلك النظر في الاستفادة من المزايا الأخرى التي تحويها، مثل: المانجروف الحمراء والرمادية، يتم استغلال لحاء شجر المانجروف والشتلات والسيقان لعلاج كثير من الحالات المرضية والتي تشمل: الجروح، الإسهال، بعض آلام واضطرابات المعدة، مستخلصات لمعالجة مرض السكري، التهابات الجلد، العين الوردية وكذلك آلام الأسنان، كما يحتوي المانجروف على مضادات للمسببات الثلاث الرئيسة للأمراض، وهي: مضادات الفطريات، مضادات البكتريا، مضادات الفيروسات نظرا لاحتوائه على حمض التانين، كما أن اللحاء يعد من المواد الطاردة للبعوض، كما أنه يستخدم كعقار قابض، لعلاج الإسهال والغثيان والقيء، ومطهر، ومضاد للنزف، وعلاج من حمى التيفوئيد.

يستخدم Acanthus ilicifolius أحد أنواع المانجروف في الطب الهندي (الأيورفيدا)، ويعرف النبات باسم Sahachara وفقا لنادكارني، فإن الدواء قابض ويصنع منشطا جيدا للنفس، وطاردا للبلغم، ومنبها في بعض الحالات، حيث يعتبر الجذر طارد للبلغم، ويستخدم في السعال والربو، كما يستخدم الجذر المغلي في الحليب إلى حد كبير في علاج الوهن العام، يعتبر السياميون والهنديون والصينيون أن الجذور ودية ومخففة ومفيدة في علاج بعض حالات الشلل والربو، كما تستخدم البراعم والأوراق في الهند في علاج بعض حالات الروماتيزم والألم العصبي.

وكما نعرف، فإنه على مدار التاريخ البشري يستخدم الإنسان النباتات في المعالجة والمداوة.. فهذا في الأساس النهج الذي انطلق منه كل شيء نعرفه الآن في الطب، وحيث إن طب الأعشاب هو أحد ممارسات الطب التكميلي فهو يؤمن بالقدرات الكامنة في النباتات والأعشاب والمستخلصات الطبيعية ويعمل على تحقيق أقصى استفادة منه كأحد أهم مرتكزات هذا القطاع.

في السنوات الأخيرة ازداد الاهتمام بالتوجه نحو الطبيعة في كل شيء من أول الاسترخاء والاعتماد على المنتجات الصحية الطبيعة والأساليب الطبية التكميلية وما يتبعها من أنشطة كالاستجمام وممارسة اليوجا والتاي شي، وتسهم الاستخدامات الشاملة لمختلف أنواع نباتات المانجروف في تخفيف معاناة آلام البشر، مما يعد دليلا قويا على قدرتها على أن تكون قوة كامنة يمكن الاستفادة منها بشكل كبير إلى أن نصل إلى الاعتماد عليها باعتبارها مصدر من المصادر النظيفة من الطاقة والتي تساعد على تقليل الانبعاثات الحرارية التي تضر الأرض، حيث لا يمكن أن يكون هنالك أكثر من المانجروف توافقا مع هذا التوجه إذن.

بالنظر إلى ما نراه من فوائد وخصائص غاية في التنوع والكثرة، فإننا لا نجد أية استغراب من الاهتمام بالتوسع في استزراع غابات المانجروف ليس فقط لأهميته على الجانب البيئي وحياة الكوكب، ولكن للخصائص العلاجية المتنوعة والهامة التي يوفرها والتي بلا شك تجذب القطاع الدوائي والطبي والسياحي على حد سواء.

تقدم نباتات المانجروف المنتجات الطبيعية، المستقلبات الثانوية التي تنتجها الكائنات الحية، طريقا بديلا لتلبية الحاجة المتزايدة إلى عقاقير جديدة، بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج، والحداثة والتنوع الهيكلي، كما أن في مشاريع الاستزراع الضحمة للمانجروف والتي تحاكي غابات المانجروف (مثل: غابات المانجروف Pichavaram في الهند وهي واحدة من النظم البيئية الساحلية في تاميل نادو ذات الغطاء النباتي الغني، والتي تعد من أكثر النظم البيئية الاستوائية إنتاجية في العالم وهي ذات إمكانات عالية؛ لأن النظام البيئي دائما تحت الضغط يؤدي إلى إنتاج مركبات معينة من أجل بقائه.

أظهرت إحدى الدراسات أن المركبات الموجودة في المانجروف الأحمر (Rhizophora mangle) قللت من حمض المعدة وزادت من حماية الغشاء المخاطي للمساعدة في التئام قرحة المعدة، بينما كشفت دراسة أخرى أن التانين يقلل من السلالات البكتيرية مثل Staphylococcus aureus، والتي يمكن أن تسبب التهابات الجلد والجهاز التنفسي وكذلك التسمم الغذائي.

اقتصاديات
تقليديا تم استغلال غابات المانجروف في الحطب والفحم وتشمل استخداماتها بناء المساكن والأثاث والقوارب ومعدات الصيد وإنتاج العفص للصباغة وإنتاج الجلود، وتستخدم الأشجار أيضا في صناعة الأسوار، والجسور، وعوارض السكك الحديدية، وأعمدة مصائد الأسماك، والمجاذيف والطوافات والزوارق والقوارب لقلة تكلفتها ولسهولة الحصول عليها في كثير من الدول.
في سريلانكا، تستخدم السيقان المستقيمة لأنواع Ceriops tagal و Rhiziphora و Bruguiera لبناء إطارات الأسقف المصنوعة من القش وإطارات النوافذ، كما يتم تحضير حشائش جدران المنازل المستوحاة من الأخشاب من الأجزاء الزائدة من المانجروف، ويعد إنتاج الفحم في ماليزيا الآن أحد أهم أشكال استخدام المانجروف، فهو أفضل فحم مع أعلى قوة من السعرات الحرارية، وله خصائص استثنائية للحرق البطيء ويميزه عدم وجود دخان كثيف، لهذا السبب، في باكستان، يتم استخدام خشب Rhizophora لتزويد غلايات القاطرات بالوقود، ولا يزال القرويون يستخدمونه لتسخين «أجهز الكي» للضغط على الملابس.

في الصناعات الريفية «المنزلية»، يستخدم خشب المانجروف استخدامات اقتصادية مجدية وقيمة، مثل تجفيف البن أو في معالجة الأسماك، بدأ تحويل أشجار المانجروف على نطاق واسع لإنتاج رقائق الخشب في شرق ماليزيا وإندونيسيا خلال السبعينيات، في عام 1971م، تم ترخيص ما يقارب 50 ألف هكتار لإنتاج رقائق الخشب المستخرجة من المانجروف، خاصة للتصدير إلى اليابان، وأوقفت ماليزيا هذه الممارسة بعد 15 عاما لتخفيف العبء الاقتصادي.

الشركات الناشئة ورؤية 2030
التنوع الكبير في الاستخدام لأشجار المانجروف في كل المجالات الاقتصادية تقريبا أفضى إلى وجود كثير من الإمكانات مما يمكن الاستفادة من هذه الأشجار، هذا يأتي في الأصل إلى إنخفاض التكاليف الهيكلية التي تحتاجها بدء صناعة ما معتمدة عليها، وتشجيعا للاستثمار ورؤية المملكة 2030 وتسهيلا على رواد الأعمال وزيادة الرقعة الاستثمارية أو الروافد الملحقة لهذا المشروع الضخم التي بصدده المملكة وتنفيذا للرؤية الأشمل لسمو ولى العهد، فإنه سيكون عظيم الفائدة إلحاق جزء من هذا المشروع خاص بالاقتصاديات القائمة على المانجروف وتوفير منطقة أعمال تحتوى على مصانع وشركات للراغبين في الاستثمار من صناعات المانجروف، حيث ستكون هذه المنطقة تكاملية وعامل جذب قوي لكثير من الاستثمارات وتوفيرا لجزئية هامة تتمثل في توفير الوقت والتكلفة المتعلقة بعمليات نقل المواد الأولية إلى أماكن الإنتاج ومن ثم التسهيلات الممنوحة للاستثمار والتي تعطي نموذج اقتصادي متكامل ومناخ آمن يرغب الجميع به، فمن الممكن أن يتنوع الاستثمار بداية من الصناعات البسيطة ككريمات التجميل والعناية بالبشرة مرورا بالمستخلصات الطبيعية على مختلف أشكالها واستخداماتها الطبية إلى الصناعات الضخمة، كما يمكن أن يكون المانجروف عامل جذب لكثير من السياح الذين يرغبون بالاسترخاء في أمالا مثلا إذا ما تم تسويق منتجات المانجروف الطبيعية على هيئات مستخلصة طبيعيا ومزروعة محليا، يتمثل بتقديم تجربة استرخائية مختلفة تجذب كثير من رواد السياحة العلاجية.

@SaadBaslom