ماجد بن نويصر

أخلاقيات الحرب بين توما الأكويني وصلاح الدين وإسرائيل

السبت - 21 أكتوبر 2023

Sat - 21 Oct 2023

الحرب.. بكل ما تحمله من تدمير ومعاناة، ليست مجرد صراع مادي وجغرافي، بل هي أيضا صراع أخلاقي. هذا الصراع الأخلاقي يكشف عن أخلاقيات الحرب والمحاربين، موضوعا ضخما ومعقدا يمتد عبر الأزمان.

تقول إسرائيل «إنها تحارب في الدفاع عن
نفسها ضد الهجمات الصاروخية من حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية». لكن التصريحات الأخيرة التي أطلقها قادة الجيش الإسرائيلي لا تعكس هذه النوايا. تصريحات مثل «نحن نقاتل حيوانات بشرية، سنقطع الماء والكهرباء»، ثم ما أعقب ذلك من الإجراءات الانتقامية والعقاب الجماعي للأبرياء المستضعفين. كلها أمور مرعبة تنذر بكارثة إنسانية كبرى. وهذا ما حذر ولايزال يحذر منه علماء المسلمين، ألا وهو جر البلاد نحو الهاوية عن طريق استفزاز خصم غير مكافيء في القوة.

على الرغم من العنف المرتبط بالحروب، فقد طورت البشرية مع الوقت مجموعة من القواعد لتقييد الأذى الذي يمكن أن يسببه النزاع المسلح. هذه القواعد، المعروفة باسم أخلاقيات الحرب، تحاول تحقيق التوازن بين الحاجة إلى الفوز في الحرب والحاجة إلى الحفاظ على الكرامة الإنسانية.

تأتي أخلاقيات المحاربين من الثقافة والقيم التي ينتمي إليها المحاربون. في أغلب الثقافات، يتم تقدير الشجاعة، الشرف، والولاء على أنها قيم عسكرية أساسية. ولكن ما يميز الحروب الحقيقية هو القدرة على التمييز بين الأعداء المشروعين والمدنيين الأبرياء.

تعود أقدم الشواهد على أخلاقيات الحرب إلى العهد القديم، حيث يمكن العثور على قواعد القتال في نصوص مثل المهابهاراتا الهندية والإبادة الكتابية اليهودية. أخلاقيات المحاربين هي انعكاس لقيمهم الثقافية والمجتمعية. على سبيل المثال، في روح المحارب في إسبرطة القديمة، كانت الشجاعة والانضباط موضع تقدير كبير.
وبالمثل، أكد بوشيدو، قانون الساموراي، على الشرف والشجاعة والولاء.

عند توما الأكويني يجب أن تكون الحرب عادلة وشرعية ووضع لذلك عدة معايير منها: الإعلان من قبل السلطة الشرعية، السبب والمبرر العادل كالدفاع عن النفس، الاستخدام الأخير للقوة والتكافؤ في الأذى وغيرها.

أظهر صلاح الدين مرارا وتكرارا بأنه قائد رحيم، حتى مع أعدائه. عندما استرجع القدس من الصليبيين في عام 1187م، منح صلاح الدين الأمان للسكان المدنيين وسمح لهم بالمغادرة بأمان، وهو نقيض مباشر للمذابح التي ارتكبها الصليبيون عندما احتلوا القدس لأول مرة في عام 1099م.

كانت لصلاح الدين علاقات احترام مع بعض القادة الصليبيين، بما في ذلك ريتشارد الأول (ريتشارد قلب الأسد). رغم أنهما كانا عدوين، إلا أنهما عبرا عن الاحترام المتبادل بشكل متكرر. من ذلك أنه عندما سقط ريتشارد قلب الأسد مريضا خلال الحملة الصليبية، أرسل صلاح الدين له فواكه وجليدا للتخفيف من حرارته.

في العصور الحديثة، أدت الحروب العالمية الكبيرة إلى تطور مجموعة من الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقيات جنيف، التي تنظم سلوك الجنود والقوات المسلحة خلال النزاعات المسلحة. لكن، كما يظهر تاريخ الحروب، القوانين والأخلاق ليست دائما كافية لمنع الجرائم.

فمع تطور التكنولوجيا وتغير طبيعة الحروب، أصبحت أخلاقيات الحرب أكثر تعقيدا. مع ظهور الحروب الالكترونية والأسلحة الذكية، هناك حاجة ملحة لتحديث قوانين الحرب لتعكس هذه التحولات.

نهاية الحروب لا تعني دائما نهاية العذاب. تبقى آثار الحروب وتأثيراتها البعيدة المدى على البشر والمجتمعات. من الضروري أن نتذكر دائما أن الأخلاقيات الحقيقية للحرب تقع ليس فقط في القتال، ولكن أيضا في التعامل مع النتائج.

الحرب عادة ما تكون مرئية وملموسة، ولكن الأخلاقيات غالبا ما تكون غير مرئية ومعقدة. القواعد والأخلاقيات هي المفاتيح لتحقيق العدالة والكرامة الإنسانية، حتى في أشد الأوقات قسوة. في النهاية، تعكس أخلاقيات الحرب والمحاربين مدى حضارتنا وإنسانيتنا.
ما يحدث هذه الأيام في غزة أمر مؤلم للغاية بالنسبة لشعب منزوع السلاح محكوم بسلطة ظالمة من فوقها سلطة محتلة. لا أكاد أفهم أي السلطتين يمثل المطرقة وأيهما السندان.
كذلك لا أعرف لماذا يتبادر إلى ذهني بيت عنترة القائل:

وإذا بليت بظالم كن ظالما
وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل

MBNwaiser@