بشرى فيصل السباعي

الشوفينية سبب كساد السياحة والاستثمار

الأربعاء - 18 أكتوبر 2023

Wed - 18 Oct 2023


كثرت مؤخرا أعمال العنف العنصرية في عدد من الدول التي كانت وجهة مفضلة للسياحة والاستثمار وبسببها توقف السياح عن السفر إليها، وقام المستثمرون بنقل استثماراتهم منها، والمتضرر الأكبر من كساد السياحة والاستثمار فيها هم المواطنون العنصريون أنفسهم، وبخاصة أن اقتصادهم يعاني أصلا من أزمات حادة ويحتاج للسياح والمستثمرين أكثر من أي وقت مضى.

وفي هذا عبرة كبرى عن أخطار وأضرار فيروسي الشوفينية– وهي العنجهية والتكبر والاستعلاء النرجسي المتعصب لانتماءات كالجنس والقومية والعرق والاعتقاد بأنها تمنح صاحبها فوقية وأفضلية واستحقاقا- والديماغوجية - وهي الخطاب المهيج للعصبيات ‏‏الشوفينية والانفعالات العدوانية لدى الجمهور تجاه من ليس من عصبتهم لكى يستغلها السيكوباتي صاحب الخطاب الديماغوجي/‏ ‏الغوغائي لمآربه ومكاسبه الخاصة على حساب عموم الناس سواء من الفئة المستهدفة بالتحريض أو الفئة التي يتم تحريضها على حد سواء، وإن كان يزعم أنها لصالح تحقيق اليوتوبيا الموعودة «جعل البلاد والأمة عظيمة مجددا»، ويكون هذا عبر اللعب على وتر إحباطات جمهوره وآمالهم وعصبياتهم وجهلهم ومخاوفهم، وتملقهم عاطفيا بالمديح والإطراء النرجسي «للأنا» الجماعية.

الأمر الذي يشعرهم بنشوة الفوقية على من عداهم وتحقير ومعاداة كل من هو ليس من انتمائهم- وكلا الفيروسين يمثلان النسخة الخاطئة والسلبية والضارة من أي انتماء سواء أكان انتماء دينيا أو وطنيا أو قوميا أو عرقيا أو جغرافيا أو قبليا، وهما سبب ووقود الحروب والإرهاب والعنصرية واضطهاد النساء والأقليات والأجانب والطائفية وكساد الاستثمار والسياحة.

وهما كالنار في الهشيم متى تم إشعال حريقهما ولا يوجد شيء يمكنه أن يطفئه حتى يلتهم كل ما يمكنه إحراقه حتى أنه دائما وأبدا ينتهي بأن يحرق من أشعله وكان يتوهم أنه يمكنه إبقاء حريقه تحت السيطرة ليخدم مصالحة الأنانية الانتهازية، وعلى سبيل المثال الهند كانت من أكثر الوجهات الاستثمارية والسياحية الواعدة لكنها عانت مؤخرا من كسادها بسبب أعمال العنف الطائفية الناتجة عن تيار الشوفينية والديماغوجية فيها المسمى «Hindutva - حركة جعل الهند هندوسية»، مما جعلها تفقد الطفرة الاستثمارية التي كانت قد حظت بها أواخر تسعينات القرن الماضي، والتي كانت قد جعلت المحللين حينها يقولون إنها ستكون المنافس الرئيس للاقتصاد الأمريكي أكثر من الصين بسبب كثافة تخريجها للعاملين بالحاسب الآلي والبرمجيات.

وكلا هذين الفيروسين أصابا أمريكا وأوروبا وتسببا بأضرار مماثلة لاقتصادهما ناهيك عن الأضرار الثقافية والأخلاقية والأمنية؛ حيث تحولت تيارات الشوفينية والديماغوجية لأكبر تهديد للأمن الوطني عالميا وأكبر مصدر للعمليات الإرهابية بشكل تجاوز نسبة الإرهاب الإسلامي؛ لذا حصلت ضغوطات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي لاتخاذ إجراءات ضد هذين الفيروسين؛ لأن مواقع التواصل ولغريتماتها كانت عاملا أساسيا بانتشار حريق هذين الفيروسين، والكاسب الأكبر من وباء هذين الفيروسين عالميا كان البلدان التي احتفظت بثقافة مضادة لهما، حيث صارت الوجهة البديلة للسياحة والاستثمار والدراسة والعمل والإقامة.

لذا من أكبر عوامل الجذب الاقتصادية وبخاصة في وقتنا الحالي الذي يعاني فيه كل العالم من حرائق هذين الفيروسين ويشكل عامل جذب أكثر من أي دعاية وأنشطة ترويجية هو نشر ثقافة الودية والسماحة والأخوة الإنسانية المضادة للشوفينية والديماغوجية.

ولنشر الثقافة التي تحصن من هذين الفيروسين يجب إبراز مفكرين معتدلين وجعلهم يقودون الخطاب الثقافي العام بدل تركه لأصحاب الخطاب الغوغائي الذي يضر أهله قبل غيرهم من كل وجه، وأيضا تجريم خطاب الكراهية الذي يحرض على العنف المادي والمعنوي ضد المختلفين بالانتماءات وهذا يشمل المحرضين ضد النساء وحقوقهن ؛لأن شعور السائحات بعدم الأمان بسبب ثقافة الشوفينية الذكورية السامة هو من أسباب كساد السياحة.