هتون أجواد الفاسي

غزة تنتفض

الثلاثاء - 17 أكتوبر 2023

Tue - 17 Oct 2023


من يمكن له أن يتابع الأخبار على كل قنوات الإعلام العربي والأجنبي والاجتماعي دون أن يستفز وتستنفر كل مشاعر غضبه وألمه مما يجري في العالم من اصطفاف مخز ضد شعب أعزل في أصغر بقعة ممكنة من العالم تدكه أكثر الأسلحة تقدما منذ عشرة أيام وقد أبادت أسرا بأكملها و2670 إنسانا منهم سبعمئة طفل (حسب إحصائية اليوم الثامن)، وآلاف الجرحى الذين بلغوا قرابة العشرة آلاف تحت قطع للماء والكهرباء والوقود حتى يركع الشعب الفلسطيني، لا فرق فيه بين حامل لسلاح وحامل لطفل.

لا أحد ينكر فظاعة الهجوم الحماسي على شباب آمنين يحتفلون بالموسيقى ويتم قتلهم وملاحقتهم بدم بارد. فهذا تصرف مرفوض شرعا وحقا، وكان من الأولى بحماس التركيز على المجمعات العسكرية فحسب.

لكن رد الفعل بالعقاب الجماعي بلا شك لا يتناسب مع هذا الفعل بأي شكل من الأشكال.

وهو ما عبرت عنه مصر والصين بشكل واضح على لسان رئيس مصر ووزير خارجية الصين وبيان الجامعة العربية والدول الإفريقية المشترك.

الكيان الصهيوني تعدى بمراحل حقه في الدفاع عن نفسه لاسيما وأنه قوة احتلال عليها التزامات تجاه الشعب الذي يحتله ويغلق حدوده ويسيطر على منافذ حياته وبقائه ونجاته.

الأنكى من ذلك هو تغول السردية الإسرائيلية في ادعاءات وأكاذيب لا صحة لها مثل قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء دون أدنى دليل أو إثبات وتصديق دول العالم «المتقدم» لها وقبولهم بها على قنواتهم وترديدها على ألسنة مسؤوليهم بما فيهم الرئيس الأمريكي نفسه (قبل أن يتراجع فيما بعد على استحياء).

الحرب على غزة أخذت شكلا غير مسبوق من العزم على الإبادة الجماعية في حالة من الهوس وعدم التصديق بأن 1400 إسرائيلي قضوا على يد مقاتلي حماس بأسلحتهم البدائية، الذين استطاعوا على الرغم من كل الظلم والقهر الذي يعانون منه وهم المهجرون منذ 75 عاما، والذين يعانون من غلق الحدود منذ سبعة عشر عاما، أن ينظموا صفوفهم بشكل غير مألوف ويتمكنوا من الوصول إلى عدد كبير من المواقع العسكرية الإسرائيلية المحيطة بغزة من كل مكان تحمي الكيبوتسات والمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية دوليا والتي استقبلت مئات الآلاف من المهاجرين اليهود من كل أنحاء العالم ليستوطنوا على أراضي الفلسطينيين بعد دفعهم وحجرهم في هذا القطاع الضيق ورفع الأسوار الشائكة الكهربائية عليه وتحويل نصف سكانه اللاجئين من نكبة 1948 إلى عاطلين عن العمل. استطاعوا أن يصلوا إليها ويضربوها ويحتلوها، بل وصلت صواريخهم البدائية هذه إلى تل أبيب نفسها في عملية «طوفان الأقصى».

واستطاعوا أن يحيدوا الكثير من جنودها وضباطها وأخذ ما يقارب 199 رهينة ليفاوضوا بهم على آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين يبلغون حوالي خمسة آلاف أسير منهم 200 امرأة وطفل، و1200 معتقلون رهن الاعتقال الإداري دون سبب أو محاكمة تبلغ خمسة عشر عاما.

بعد محاولة أمريكية مكوكية في المنطقة لاحتواء الأزمة بالضغط على دولنا العربية لتضغط بدورها على حماس لتسليم الرهائن بالدرجة الأولى، نتج عنها أن يدعو الكيان المحتل الشعب الأعزل إلى النزوح إلى جنوب غزة المسيجة، أي ترك بيوته مرة أخرى للجيش الذي سينتشر في كل مكان واحتمال كبير أن يضع اليد عليها، مع محاولة الضغط على مصر لاستقبال اللاجئين إلى سيناء «مؤقتا».

ولا أدري هل نقول لحسن الحظ أن السيسي لم يخضع لهذا العرض مقابل تسديد كامل ديونه، أم لسوء حظ الفلسطينيين الذين ليس أمامهم مخرجا ولا مدخلا، بل حتى الطريق الآمن الذي ادعاه الكيان تم ضربه مرارا منذ الأمس مخلفا مئات الضحايا (70 شهيدا و200 جريح) في محاولة النجاة بأنفسهم من مدينة غزة.

كل الآليات الدولية التي نظمها العالم لاحتواء جرائم الإبادة الجماعية والحروب غير المتكافئة من هيئة الأمم المتحدة بكل منظماتها ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، لم تنجح في إيقاف هذا الكيان عن إجرامه اليومي بالدقيقة والثانية.

شعب يباد تحت أنظار العالم وكاميراته ومراسليه ونكمل الفرجة.

وقالت الأمم المتحدة إن أمر إجلاء 1.1 مليون شخص في غزة «أمر شائن» ويتحدى «قواعد الحرب والإنسانية الأساسية».

القلوب تنزف مع الدماء النازفة في كل مكان في فلسطين. والأمل هو في وقفة كرامة دبلوماسية عربية إسلامية دولية تحقن الدماء وتنصر المظلوم وتحق الحق، فقد بلغ السيل الزبى.