أحمد بني قيس

ورقة الحرية عندما تحترق

الاثنين - 16 أكتوبر 2023

Mon - 16 Oct 2023


من خصائص الطبيعة البشرية أنها متمردة وترفض التقيد بنمط أو سلوك معين وبحكم أن الحرية إحدى مخرجاتها فإن نفس الأمر يسري عليها، وهذا ما جعل بعض المجتمعات التي تتبناها كما تمليها طبيعة البشر دون حاكم يحكمها تشهد الكثير من الممارسات التي تجد من يرحب بها في تلك المجتمعات ومن يرفضها كل بالطبع حسب فهمه للحرية وحسب تعامله معها وإن كانت نسبة الرافضين لها في تلك المجتمعات ضئيلة وغير مؤثرة.

ودعونا أولا نتعرف على تعريف الحرية كما تقوله الوكيبيديا «الحرية هي إمكانية الفرد دون أي جبر أو شرط أو ضغط خارجي على اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانات موجودة» ونلاحظ في هذا التعريف أنه يقرر بأن عملية ممارسة الحرية يجب ألا تخضع لأي ضبط أو قيد بأي شكل من الأشكال وهذا ما يجعل النتيجة الحتمية لهكذا تعريف فسح المجال لسيطرة غرائز البشر وأهوائهم على قراراتهم وسلوكهم بل وحتى فهمهم لطبيعة الحياة وكيفية التفاعل معها وهنا تكمن خطورة التطبيق الحرفي لهذا التعريف.

وما يؤكده الواقع أن هنالك اختلافا في النظرة للحرية وكيفية التعبير عنها عند المجتمعات المختلفة ذات الثقافات المتباينة ولنأخذ مثلا المجتمعات الغربية التي يشهد واقعها بأنها تعيش نوعا من الانفلات الأخلاقي والسلوكي والسبب يكمن في فهمها الأعوج للحرية وطبيعة نظرتها لها بل إن الأمر تطور بها لدرجة السماح بممارسات كانت نفس المجتمعات ترفضها في أزمان ماضية كالشدوذ الجنسي (المثلية) أو القيام بتغيير الجنس سواء من ذكر لأنثى أو العكس دون أن يكون هنالك حاجة طبية تتطلب ذلك.

ولا يقتصر الأمر في المجتمعات الغربية على مثل هذه التجاوزات بل طال التجاوز حتى مفهوم الزواج نفسه، حيث تم تشويهه في الغرب لدرجة السماح بزواج أفراد الجنس الواحد من بعضهم البعض والذي أصبح عندهم الآن زواج معترف به رسميا، كما أن من تداعيات هذا الفهم السقيم والتطبيق الأخرق للحرية فقدان الأمن والأمان في تلك المجتمعات نتيجة انتشار السلاح بين أفرادها وسهولة الحصول عليه وتشكل العصابات الإجرامية بشكل واسع ما جعل معدل الجريمة في تلك المجتمعات يرتفع إلى درجة جعلت المواطن فيها يتعرض للكثير من الحوادث والمواقف الخطيرة التي تهدد أغلبها حتى حياته.

الملاحظ أن المجتمعات الغربية رغم كل ذلك تحاول فرض فهمها وتعريفها للحرية على غيرها من المجتمعات خاصة المحافظة منها دون أدنى مراعاة لاختلاف ثوابت تلك المجتمعات عن ثوابتها في مخالفة صريحة وواضحة لكل المبادئ التي تزعم المجتمعات الغربية تبنيها والقائلة بأن من حق كل فرد أو مجتمع أن يكون له هويته الخاصة بمختلف جوانبها وأن احترامها من الضروريات التي يجب تطبيقها وعدم الاعتراض عليها ما يظهر وبشكل صارخ حقيقة تناقضها مع ما تزعم تبنيه في هذا الشأن.

وهذا الخلل يستدعي التطرق لفهم المجتمعات المحافظة للحرية خاصة تلك المستقرة سياسيا وأمنيا وطبيعة تعريفها لها واللذان يحملان محتوى مغاير تماما لفهم وتعريف نظيراتها الغربية للحرية، حيث أنهما يدعوان لضرورة ضبط الحرية وتقنينها وكذلك تصويب فهم أفرادها لها عند اختلاله الأمر الذي جعل هذه المجتمعات تتمتع بانضباط أخلاقي وسلوكي لا يقارن إطلاقا بما هو موجود في المجتمعات الغربية ما أوجد إنسجام مجتمعي كبير فيها وتدني واضح في معدلات التجاوزات الأخلاقية والعمليات الإجرامية التي قد يمارسها بعض أفرادها.

إن ما أثبتته تجارب الحياة ومجرياتها أن كل أمر فيها إن لم يكن له ضابط يحكم تعريفه وتطبيقه فإن الواقع يؤكد بأن استخدامه أو التعامل معه سيكون في غاية السوء وهذه النتيجة تنسحب على أمر كالحرية وكيف يكون خطرها جليا إذا لم يتم تقنين التعبير عنها وكيفية تطبيقها حتى يكون لوجودها تأثيرا إيجابيا على نمط حياة الفرد وقناعاته وكذلك على فهمه لطبيعة العلاقة التي تربطه بغيره والحرص على عدم تعريض حقوقه الإنسانية والمجتمعية المشروعة لأي ضرر.



ahmedbanigais@