هتون أجواد الفاسي

دواثلون في تحية الوطن

الاثنين - 16 أكتوبر 2023

Mon - 16 Oct 2023


كانت أول مرة تقع عيني على كلمة «دواثلون» في أغسطس الماضي عندما تبادلت الصديقات في فريق «دراجات الشروق» إعلانا لموقع (سباق الجزيرة العربية) Race Arabia يعلن عن إطلاق هذه الفعالية في اليوم الوطني 93.

وبما أننا نتحمس لكل ما هو رياضي وأيضا جديد، قلت لم لا؟ فتحت الموقع الذي دوما ما تصلني منه رسائل سباقات مختلفة يعقدها في أنحاء المملكة بأشكال وأماكن مختلفة، وهذا كان شكلا جديدا.

فمع أني سبق وسمعت برياضة الـ»تراياثلون» كثيرا، وأعرف أنها تعني سباقا ثلاثيا من الركض والدراجة والسباحة، إلا أن الدواثلون كانت جديدة.

اتضح من قراءة الإعلان أنها سباق ثنائي، أولمبي كذلك، يتكون من درجتي سرعة، السرعة العادية وتشمل: 5 كلم ركض، يليها 20 كلم دراجة، ثم 2.5 كلم ركضة ثانية.

بينما السرعة العالية فهي 10-40-5 كلم.

وبما أن 20 كلم على الدراجة لا تعني الشيء الكبير لفريقنا الذي يقطع مسافات أطول كل أسبوع، فإن همي كان في الركض.

فأنا لست من عشاق الركض، وتجربتي كانت في ماراثون الرياض بـ 4 كلم، ثم مع مجموعة the Cliques بـ 5 كلم، وكلها مرة واحدة ويعقبها تعهدي لنفسي بعدم تكرارها، إلا أن هذه المسابقة تزيد 2.5 كلم عليها وكلها متلاحقة، لكن ما الذي سأخسره؟ فسجلت مع عدد من الزميلات.

وصلنا موقع ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية في فجر اليوم الوطني، لنجد المكان خلية نحل والكل يقود دراجته ويرتدي قميص الدواثلون والشارات والأرقام، يسجلون ويربطون العداد على الكاحل ويأخذون مكانهم عند أرقامهم.

الرياضيات والرياضيون من كل الجنسيات والفرق الرياضية.

استطعت تمييز عدة فرق ركض ودراجات ممن نقابلهم في رحلات تمريننا الأسبوعية في وادي حنيفة وغيرها.

الغالبية سعوديون، ويبدو لي أن الجنسية الأجنبية الغالبة هي الفليبينية، وهم ممن نصادفهم دوما في الوادي ونتبادل معهم التحايا والتصبيحات.

ومن كل الفئات العمرية، التي تبدأ من الخامسة عشرة ويبدو أنها تنتهي عندي.

الكل كان يتعاون ويتبادل الخبرات والمهارات.

طلبت من الدراج الذي بجانبي ممن يبدو عليه الاحتراف أن يعيرني منفاخه بعد الانتهاء، فتولى نفخ دراجتي بكل شهامة.

كان المكان جميلا يحمل تكوينات خشبية وتصميمات لطيفة وبعض عربات الأكل التي تنتظر خط النهاية والتي لم يلفتني منها إلا سيارة الآيسكريم عندما انتهينا، أما الدي-جي فقد كان يتوسط دائرة مرتفعة ويشجينا باختياراته من الموسيقى الحماسية.

وأخذت أنا وزميلة الدواثلون ندى المرهون نتفحص المكان ونسلم على من نعرف فكانت هناك فرص لطيفة للاحتفاء بهذا المجتمع الرياضي الذي اكتشفت أنه أصبح مجتمعي بشكل أو بآخر.

فالتقيت بإحدى عضوات فريقنا ممن انتقلت لفريق جري وفريق دراجات سرعة، ابتسام عبدالعزيز، ثم بمدربة الرياضة الشخصية الرائعة شهد علام التي كانت إحدى أفضل مدربات نادي الملتقى الذي كنت ملتحقة به سابقا.

قمنا باستثمار هذه الصدف وأخذنا معها فصل تحمية احترافي قبل بدء السباق مع التوصيات والنصائح المفيدة في هذا اليوم الذي يتطلع إليه الـ 180 متسابقة ومتسابق ممن شاركوا معنا هذا اليوم.

تأخر السباق من السابعة إلى السابعة والثلث، وبعد ذلك انطلقنا وسط إعلانات الحماس والتشجيع على مدى الطريق الممتد بين صفوف من النخيل ودوار يرتفع قليلا ليصل إلى مدخل النادي ثم يتواصل الطريق. وفق النصائح، البدء يجب أن يكون بهدوء وبهرولة لا ركض، لكني اكتشفت أني لا أستطيع القيام بأكثر من الهرولة أساسا، وكل ركضاتي السريعة التي كنت أمارسها في النادي لمسافات قصيرة قد ذهبت أدراج الرياح، فحرصت على أن أحافظ على طاقتي قدر الإمكان لإكمال الكيلومترات الخمسة رغم ارتفاع الشمس إلى ما قبل كبد السماء بقليل، فقد كانت الحرارة فجرا حوالي 28 درجة، لكن بمجرد ما أشرقت الشمس بدأت الحرارة في الارتفاع حتى انتهينا وقد وصلت 35 درجة، وأجزاء كثيرة من المسافة لم تكن مغطاة بأي أشجار.

ولسوء الحظ ونظرا لعدم المران والخبرة في الجري، فإني لم أجهز شيئا أسمعه كما فعل الجميع الذين اعتمروا سماعاتهم المزودة باختيارات جوالاتهم الموسيقية، أما أنا فاستمتعت بصوت الطبيعة والتشجيع المرافق لنا طيلة الطريق مع قوارير الماء الباردة التي نتناولها دون توقف، لا لأني مسرعة، ولكن حتى لا تتوقف عزيمتي.

وهذه العزيمة كنت حريصة على ألا تتأثر بأي شيء أمامي، لا متسابقين أسرع ولا الدفعة الأولى والثانية وما تلاها من دفعات مما أصبح يقابلني في الجهة الأخرى من الطريق الذي قسم إلى نصفين ولم أصل إلى نهايته بعد، فأكتفي بتحية من يرسل التحية مشجعا وأكمل دون طول تفكير إلا في النقطة التالية التي أمام بصري وقدمي.

كررنا المسافة مرتين، وما بين الفينة والأخرى أنظر في ساعتي وحساب الكيلومترات، ثم صرت أكتفي بإعلان صوت الساعة إنهائي لكل كيلومتر والسرعة التي قطعتها حتى أكملت الخمسة، لكن كان بعدها بعض الأمتار حتى وصلت إلى موقع دراجتي المعلقة على الماسورة المخصصة برقمي عندها فأنزلتها بسرعة وغيرت الكاب بالخوذة والكفوف التي أدركت أنها لم تكن عملية لصعوبة ارتدائها سريعا، لكني حرصت على ألا أتوتر وأؤكد لنفسي أنه ليس سباقا مع أحد وإنما تحديا مع نفسي، والتحدي هو أن أكمل هذا السباق إلى نهايته.

وانطلقت بدراجتي وهي المرحلة الأكثر متعة بالنسبة لي، فالدراجة أصبحت صديقتي وكل جزء منها في قطع الطريق مألوف وكأني في بيتي.

لكن بالطبع كانت هناك السرعة التي يجب أن أبنيها، فبنيت ما أمكنني وهو ما لم يكن المأمول مقارنة بسرعتي في الأوقات العادية لكن أيضا لم أكترث وأعدت الكرة، حيث إن علينا أن نأخذ اللفة مرتين لتصبح 20 كم.

أضعت بعض الوقت وأنا أنقل جوالي من حزام ذراعي إلى حامل الدراجة حتى أستطيع أن ألتقط بعض الصور التي بالنسبة لي تعتبر تاريخية أثناء السباق، مما أخرني في جزء منه بالرغم من أني قمت به دون أن أتوقف، لكنها كانت مخاطرة.

انتهيت وعلقت الدراجة مكانها وانطلقت أكمل الركضة الثانية.


اكتشفت في بداية هذه الركضة أني ما زلت أرتدي الخوذة فنزعتها بسرعة مع الكفوف وسلمتها لأحد الفرق على الطريق وأكملت دون توقف وتركني هذا تحت حمى الشمس دون أي حاجز.

كانت هذه الركضة كما قرأت عنها في الإنترنت، الأكثر صعوبة، حيث تشعر وكأنك أصبحت سلحفاة بعد أن تكون اعتدت على سرعة الدراجة.

وبكل جهد أخذت أركض دون فائدة، كان الإرهاق قد وصل حده لكني كنت مصرة، فأخذت أمشي قليلا وأركض قليلا، ثم زاد المشي وزاد قلقي من ذلك، ثم استعدت عزيمتي في إحدى اللفات، ثم خبتت، ثم عادت، ثم مشيت، ثم وجدتني وقد اقتربت من شيء ما.. هذا الـ «ما» يقترب من خط النهاية، فأفرغت قارورة الماء التي أصبحت دافئة على رأسي، وضغطت على أقدامي مستجيبة لكلمات التشجيع: وصلت وصلت، يجب أن تصلي لخط النهاية وأنت تركضين.. أكملي أكملي.. فاستجبت وأنا أجر أقدامي جرا، لكني وصلت ورأيت خطا تجاوزته ووراءه شخص يحمل ميدالية لأعلقها وناولني ماء باردا.

فلم أستوعب أني وصلت.

التفت فلم أجد أحدا خلفي، فكل منا كان وكانت تصل على وقتها الشخصي.

ثم أصبحت إنسانة طبيعية، عدت إلى هويتي وهو أني إنسانة تمشي على الأرض دون شيء يلاحقها.

وقفت على الفور في طابور سيارة الآيسكريم، فهي المكافأة المثالية، وكانت مانجا مع التوت، ملتوية ومثلجة.

والحمدلله قليلا والتم الشمل وأخذنا نتبادل القصص عن معاناتنا وما كان صعبا وما كان الأفضل، وعدت للوقوف في صف الآيسكريم تضامنا مع الوفد الثاني ولآخذ نصيبا ثانيا من مذاق الآيسكريم، لأكتشف أنه لم يكن مجانا وأن البائع خجل أن يطلب مني مقابلا.

كانت الأجواء أكثر من مبتهجة وكل مجموعة تأخذ جانبها مع الأطباق التي توفرها إحدى المطاعم الراعية للسباق، يلتقطون الصور ويتبادلون الضحكات، وبعد التقاط الكثير الكثير من الصور قررنا الانطلاق لاسيما وأن ندا ستتجه مباشرة إلى الشرقية، حيث تزور أمها.

فحملنا دراجاتنا إلى سياراتنا واتجهت إلى البيت. وما أن وصلت حتى تلقيت مكالمة من أحد الزملاء من درب زبيدة، اتضح أنه كان معي في السباق ولم أميزه، كان يتصل ليهنئني بفوزي بالمركز الثاني. لم أصدق حتى قال إن الفائزين يتبعون الفئات العمرية، وأني فزت عن فئة الخمسين العمرية.

وبعد أن شاركت أولادي وصديقات دراجات الشروق الأخبار المفاجئة الجميلة وصلتني اللوحة الرسمية التي تحمل أسماء الثلاثة الأوائل لفئة الخمسين من ابتسام، فوجدت أني الثانية وأن ندى المرهون الثالثة.

وكم كانت سعادتي غامرة بهذه النتيجة غير المتوقعة، مما يعني أن احتفالنا سيكون مجلجلا ومشتركا. ومن الأشياء الجميلة التي رافقت هذا التنظيم هي آلية الحصول على صورنا، فلم تكن هناك منصة للتصوير لكن المصورين كانوا منتشرين في كل مكان، ولم أكن لأقف أمام أحدهم أنتظر أن يصورني، لكن المفاجأة الجميلة كانت استخدام الذكاء الاصطناعي في إيصال الصور إلينا. فعلى موقع Race Arabia وصلنا رابط لكل صور المشاركين، وما علي إلا وضع رقم لوحتي في المربع أمامي وعلى الفور ظهرت لي حوالي عشر صور وفيديو، وعندما أحمل صورة شخصية لي تكون هناك فرصة لتمييز مزيد من الصور، فازدادت اثنتين أو ثلاثة.

وكذلك يمكن إصدار شهادة المشاركة الرسمية بالاسم وتفاصيل السباق الكترونيا وكل نتائج السباق.

كان توظيفا الكترونيا ناجحا بامتياز.

ومن يومين وصلتني رسالة من الفريق المنظم بأن آتي لاستلام جائزتي، فمررت عليهم لأجد أن الجائزة عبارة عن قسائم غير تقليدية، أحدها لإجراء تحليل لمكونات الجسد، والثاني الحصول على حمام ثلجي مجاني وثلاثة كوبونات شراء من إحدى الأسواق. هدية رمزية ورياضية.

يتبقى الكثير لقوله عن مشاعر هذا اليوم وما تلاه وما يعنيه ونحن نحتفي بالوطن وقد أصبح يحتفي بنا ويحملنا إلى أماكن لم نكن نحلم بها، نتحدى أنفسنا وطاقاتنا وأعمارنا.

قلت لفريق سباق الجزيرة العربية أني إذا شاركت العام القادم فإني سوف أكون في فئة الستين العمرية وربما أحقق المركز الأول إن لم يكن هناك ستينيون آخرون، ربما.. ولم لا؟